سعيد بن جبير أعلم التابعين بالتفسير
كان سعيد بن جبير من كبار التابعين، الذين ساروا على سنن الهدى، واقتفوا أثر المصطفى، وباعوا الدنيا طلبا للأخرى. وقد وثقه أهل العلم كافة، حتى قالوا في وصفه: ثقة إمام حجة على المسلمين .
كان الناس يرونه - منذ نعومة أظفاره - إما عاكفا على كتاب يتعلم، أو قائما في محراب يتعبد، فهو بين طلب العلم والعبادة، إما في حالة تعلم، أو في حالة تعبد .
أخذ سعيد العلم عن طائفة من كبار الصحابة، من أمثال أبي سعيد الخدري ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، رضي الله عنهم أجمعين، لكن يبقى عبد الله بن عباس - حبر هذه الأمة - هو المعلم الأول له .
لازم سعيد بن جبير عبد الله بن عباس لزوم الظل لصاحبه، فأخذ عنه القرآن وتفسيره، وتلقى عنه القراءات القرآنية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ بها، وتفقه على يديه في الدين، وتعلم منه علم التأويل، حتى أصبح من المكانة ما جعل بعض معاصريه يقول فيه: مات سعيد بن جبير ، وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه .
وعندما كانت إقامته في الكوفة، كان هو المرجع الأول في الفتوى، وعليه المعول في علم التفسير، لدرجة أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحيل إليه من يستفتيه، ويقول لأهل الكوفة إذا ما أتوه ليسألوه عن شيء: أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير - وكان حبشي الأصل - .
وعلى الرغم من مكانته العلمية التي كان يحظى بها، وخاصة معرفته الواسعة بتفسير كتاب الله، إلا أنه - رحمه الله - كان يتورع عن القول في التفسير برأيه - كما هو شأن السلف من الصحابة رضوان الله عليهم - ومما يروى عنه في هذا الشأن: أن رجلا سأله أن يكتب له تفسيرا للقرآن، فغضب، وقال له: لأن يسقط شقي، أحب إلي من أن أفعل ذلك .
ولأجل ملازمة سعيد ابن جبير ل ابن عباس رضي الله عنهما، ومكانته العلمية بين التابعين، فقد كانت أقواله مرجعا أساسا، ومنهلا عذبا لأهل التفسير، يرجعون إليها، ويغترفون من معينها في تفسير كثير من آيات الذكر الحكيم .
وقد وثق علماء الجرح والتعديل سعيدا ، وروى عنه أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أصحاب الحديث. قال ابن حبان في كتاب ( الثقات ): كان فقيها، عابدا، فاضلا، ورعا .
ومما يروى عن سعيد وتعلقه بالقرآن، ما ذكره أبو نعيم في ( الحلية ) قال: ( كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان ) وفي رواية ثانية: ( أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين ) .
وقد كانت له - رحمه الله - مواقف مشهورة ومآثر مشهودة مع الحجاج ، الذي قتله صبرا في شعبان سنة خمس وتسعين، وهو ابن تسع وأربعين سنة .
سعيد بن جبير الأسدي الوالي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي المكي من أكابر أصحاب ابن عباس كان من أئمة الإسلام في التفسير والفقه وأنواع العلوم وكثرة العمل الصالح رحمه الله وقد رأى خلقا من الصحابة وروي عن جماعة منهم وعنه خلق من التابعين يقال إنه كان يقرأ القرآن في الصلاة فيما بين المغرب والعشاء ختمة تامة وكان يقعد في الكعبة لقعدة فيقرأ فيها الختمة وربما قرأها في ركعة في جوف الكعبة وروى عنه أنه ختم القرآن مرتين ونصفا في الصلاة في ليلة في الكعبة وقال سفيان الثوري عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال لقد مات سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه وكان في جملة من خرج مع ابن الأشعث على الحجاج فلما ظفر الحجاج هرب سعيد إلى أصبهان ثم كان يتردد في كل سنة إلى مكة مرتين مرة للعمرة ومرة للحج وربما دخل الكوفة في بعض الأحيان فحدث بها وكان بخراسان لا يتحدث لأنه كان لا يسأله أحد عن شيء من العلم هناك وكان يقول إن مما يهمني ما عندي من العلم وددت أن الناس أخذوه واستمر في هذا الحال مختفيا من الحجاج قريبا من ثنتى عشرة سنة ثم أرسله خالد القسري من مكة إلى الحجاج وكان من مخاطبته له ما ذكرناه قريبا
مقتل سعيد بن جبير رحمه الله
قال ابن جرير وفي هذه السنة قتل الحجاج بن يوسف سعيد بن جبير وكان سبب ذلك أن الحجاج كان قد جعله على نفقات الجند حين بعثه مع ابن الأشعث إلى قتال رتبيل ملك الترك فلما خلعه ابن الأشعث خلعه معه سعيد بن جبير فلما ظفر الحجاج بابن الأشعث وأصحابه هرب سعيد بن جبير إلى أصبهان فكتب الحجاج إلى نائبها أن يبعثه إليه فلما سمع بذلك سعيد هرب منها ثم كان يعتمر في كل سنة ويحج ثم إنه لجأ إلى مكة فأقام بها إلى أن وليها خالد بن عبد الله القسري فأشار من أشار على سعيد بالهرب منها فقال سعيد والله لقد استحييت من الله مما أفر ولا مفر من قدره وتولى على المدينة عثمان بن حيان بدل عمر بن عبد العزيز فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب ابن الأشعث من العراق إلى الحجاج في القيود فتعلم منه خالد بن الوليد القسري فعين من عنده من مكة سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وعمرو بن دينار وطلق ابن حبيب ويقال إن الحجاج أرسل إلى الوليد يخبره أن بمكة أقواما من أهل الشقاق فبعث خالد بهؤلاء إليه ثم عفا عن عطاء وعمرو بن دينار لأنهما من أهل مكة وبعث بأولئك الثلاثة فأما طلق فمات في الطريق قبل أن يصل واما مجاهد فحبس فما زال في السجن حتى مات الحجاج وأما سعيد ابن جبير فلما أوقف بين يدي الحجاج قال له يا سعيد ألم اشركك في أمانتي ألم أستعملك ألم أفعل ألم أفعل كل ذلك يقول نعم حتى ظن من عنده أنه سيخلى سبيله حتى قال له فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين فقال سعيد إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم على فغضب عند ذلك الحجاج غضبا شديدا وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه وقال له ويحك ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك قال بلى قال ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة فأخذت بيعتك له ثانية قال بلى قال فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك يا حرسى اضرب عنقه قال فضربت عنقه فبدر رأسه عليه لا طئة صغيرة بيضاء
وقد ذكر الواقدي نحو هذا وقال له أما أعطيتك مائة ألف أما فعلت أما فعلت
قال ابن جرير فحدثت عن أبي غسان مالك بن إسماعيل قال سمعت خلف بن خليفة يذكرعن رجل قال لما قتل الحجاج سعيد بن جبير فندر رأسه هلل ثلاثا مرة يفصح بها وفي الثنتين يقول مثل ذلك لا يفصح بها وذكر أبو بكر الباهلي قال سمعت أنس بن أبي شيخ يقول لما أتى الحجاج بسعيد بن جبير قال لعن ابن النصرانية يعني خالد القسري وكان هو الذي أرسل به من مكة أما كنت أعرف مكانه بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة ثم أقبل عليه فقال يا سعيد ما أخرجك على فقال أصلح الله الأمير أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب أخرى فطابت نفس الحجاج وانطلق وجهه ورجا الحجاج أن يتخلص من أمره ثم عاوده في شيء فقال سعيد إنما كانت بيعة في عنقي فغضب عند ذلك الحجاج فكان ما كان من قتله
صفحہ 2