وهذه المجاملات الصغيرة هي أوجب ما تكون بين الزوجين، فقد رأيت زوجة تشرب الشاي في فندق قد عمدت إلى الفنجان الذي سيشرب منه زوجها فمسحته ظهرا لبطن وأعادته إلى مكانه وصبت فيه الشاي، وكانت هذه الحركات المهذبة برهانا على إحساسها الذكي، ويجب أن يكون الإنسان وحشا كي يستصغر قيمة هذه المجاملة الصغيرة في حقيقتها، الكبيرة في دلالتها.
وعرفت رجلا متيسرا يمر مرتين أو أكثر في ذهابه إلى عمله بفقير أعرج لا يتسول ولكنه يبيع أوراق الحظ، وكان يحرص وهو يعطي هذا الفقير بعض المساعدة على أن يتحدث إليه باسما حتى لا يشعره بحاجته أو فقره.
ولكن لا يمكن أن نجامل الناس على أساس النفاق، فإن ما نخفيه سيبدو إن قريبا وإن بعيدا؛ ولذلك يجب أن نجامل على إحساس ذكي ينبني على تقدير إنساني يتجاوز القيم الاجتماعية أو المراكز المالية التي للناس، أي يجب أن نحترم لأنهم بشر فقط.
وأخيرا نقول: لعل ذكاء الإحساس هو نفسه ذكاء العقل؛ فإن الإنجليز يشتقون اسميهما من أصل واحد.
الفصل الثالث والثلاثون
فلسفة أنا وحدي
بول سارتر زعيم الفلسفة الوجودية يمكن أن يعد من الفلاسفة المرضى بالأنانية؛ لأن خلاصة فلسفته تنحصر في عبارة «أنا وحدي» وعلى الدنيا والبشر العفاء.
ولكن كما نستخرج العنبر من مرض القيطس، وكما نستخرج اللؤلؤ من مرض المحار، كذلك نجد في هذا المريض سارتر جواهر من الحكم التي تعين أحيانا هدف الحية العالية ومنهج العيش الشريف، فمن ذلك قوله: «الإنسان أكبر قيمة من حياته».
والمعنى أننا يجب أن نحيا على المستوى الذي نريده ونستطيعه ولا نقبل الذل والهوان؛ إذ خير لنا أن نؤثر الموت واقفين على أن نقبل الحياة راكعين، وأن نرفض الحياة مع السجن، ونؤثر عليها الموت مع الحرية، وأن نموت في شرف وإباء من أن نحيا في خسة ومذلة، أجل ونرفض الحياة مع الجوع والمرض والجهل.
ولو أن الناس والأفراد عملوا بهذه الحكمة ولم يضنوا بحياتهم التعسة كي يحققوا للإنسان ميزات الحرية والاستقلال والشرف؛ لما جرؤ مستبد أو ديكتاتور أو طاغية على ممارسة الظلم والنهب والفسق.
نامعلوم صفحہ