فإذا وصل «علي بن عيسى» إلى «عقبة همذان» استقبل قافلة قدمت من «خراسان» فسألهم عن الخبر فقالوا له: «إن طاهرا مقيم بالري وقد استعد للقتال واتخذ آلة الحرب وإن المدد يترى عليه من خراسان وما يليها من الكور، وإنه في كل يوم يعظم أمره ويكثر أصحابه وإنهم يرون أنه صاحب جيش خراسان.»
فلا يكاد يسمع منهم ذلك حتى يهزأ بأقوالهم ويبدي لهم كل ما يستطيع أن يبديه من صنوف الاحتقار لطاهر وقوته، وإذا بلغ الري وقال له صاحب مقدمته: «لو كنت أذكيت العيون وبعثت الطلائع، وارتدت موضعا تعسكر فيه وتتخذ خندقا لأصحابك يأمنون به كان ذلك أبلغ في الرأي وآنس للجند.»
أجابه صاحبنا هازئا: «ليس مثل طاهر يستعد له بالمكايد والتحفظ، إن حال طاهر تئول إلى أحد أمرين: إما أن يتحصن بالري فيبهته أهلها فيكفونا مؤنته، أو يخليها ويدبر راجعا لو قربت خيولنا وعساكرنا منه وأتاه يحيى بن علي.»
ويقول له صاحب مقدمته: «اجمع متفرق العسكر واحذر على جندك البيات، ولا تسرح الخيل إلا ومعها كنف من القوم، فإن العساكر لا تساس بالتواني، والحروب لا تدبر بالاغترار، والثقة أن تحترز، ولا تقل: «المحارب لي طاهر» فالشرارة الخفية ربما صارت ضراما، والثلمة من السيل - ربما اغتر بها وتهون - فصارت بحرا عظيما. وقد قربت عساكرنا من طاهر، فلو كان رأيه في الهرب لم يتأخر إلى يومه هذا.»
فيجيبه صاحبنا على هذه النصيحة الثمينة المملوءة حكمة وتعقلا وإخلاصا، بقوله الطائش المغرور: «اسكت فإن طاهرا ليس في هذا الموضع الذي ترى، وإنما تتحفظ الرجال إذا لقيت أقرانها، وتستعد إذا كان المناوئ لها أكفاءها ونظراءها.» •••
وهكذا يمعن صاحبنا في غروره وصلفه واعتداده بنفسه بينما عدوه «طاهر» لا يترك وسيلة من وسائل الحيطة وإحكام الدفاع وترتيب الخطط إلا سلكها، ويأبى القدر إلا أن يعيد لنا حكاية الأرنب والسلحفاة الشهيرة حين تراهنا على السباق إلى غاية، وأهمل الأرنب اعتمادا على قوته، وجدت السلحفاة لتعوض من ضعفها ففازت عليه وسبقته.
8
وقد كان من نتائج هذه المعركة أن قوي بأس المأمون وعز مركزه وتكاثرت عليه وفود المهنئين.
وقد أعلن في ذلك اليوم خلع أخيه ودعا لنفسه بالخلافة في جميع كور خراسان وما يليها.
وأرجف الناس ببغداد وضعف مركز الأمين، وندم أشد الندم على محاربة أخيه وما بدأه به من الغدر.
نامعلوم صفحہ