مصارع العشاق
مصارع العشاق
ناشر
دار صادر
پبلشر کا مقام
بيروت
الديلمي، وكان من أحسن الناس كلامًا وأظهرهم خشوعًا وأكثرهم صلاة واجتهادًا، فصحباه، وكانا معه لا يامن عليهما أبواهما أحدًا غيره، فكان يحج بهما في كل عام، ويرابط معهما في السواحل سائر سنيه، حتى أخذا منهن ووعيا عنه، وتأسيا بأخلاقه، واحتذيا عاى طريقتهن وكانا مقبلين على طلب الخير والجهاد، فخرج بهما فرآهما رجل من الجند، فرأى شيئًا لم ير مثله، فأراد أخذهما منه، فحال بينه وبينهما، وأعانه الناس على ذلك، وكان مشهورًا بالنسك والعفاف، فاغتاله الجندي فقتله، وقبض على الغلامين، فمتنعا عليه، واستغاثا بالناس، فجاؤوا فنظروا إلى ابي عبد الله الديلمي مقتولًا، فأخذوا الجندي، وأتوا به السلطان فقتله.
قال أبي: فحدثني هذا الرجل قال: كنت حاضرًا لهما، وقد دفناه ورجعا عن قبره، يعرف الحزن عليهما، والكآبة فيهما، فسمعت أحدهما يقول لصاحبه: ما ترى، يا اخي؟ قال: أرى أن يكون على عزيمتنا أو يمضي على ما عقدناه من نيتنا حتى نقضي راطنا، ونرجع إلى بلادنا، فقال له الآخر: لست أرى رأيك ولا ما أشرت بهن ولكن مصيبتنا بهذا الرجل ليست بصغيرة ولا حقه علينا بيسير، هـ علينا حق الوالد بالشفقة، وحق التعليم وطول الصحبة، وطهارة العشرة، وحسن المرافقة، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن نقيم على قبره مقدار رباطنا نستغفر له، ثم ننصرف، فإن عزمت أن نرابط بعد فعلنا، وإن أحببت أن نرجع صدرنا.
قال: قد قلت قولًا لن أخالفك عليه، فاسألاني الإسعاد لهما على ذلك، فأقمت معهما نيفًا على عشرين يومًا، فاعتل محمد بن الحسن، فاشتدت علته، فقلن عبد العزيز قلقًا شديدًا، وجزع جزعًا لم أره من أحد قط، فقلت: ما هذا الجزع يا أخي؟ قال: أفلا يحق لي أن أجزع على أخ شقيق وحبيب شفيق؟ فسمعنا محمد فقال: يا عبد العزيز لا تجزع فإن الجزع لا يغني عن
1 / 188