عبد الله بن عبد العزيز البكري عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري، أكبر جغرافي عربي في الأندلس وأشهر أديب في القرن الخامس الهجري. اختلف أرباب التراجم في تاريخ ولادته فقال البعض بأنه ولد في سنة ٤٠١ هـ والبعض الآخر أنه ولد في ٤٣٢ هـ. كان من عائلة عربية يرجع أصلها إلى قبيلة بكر بن وائل. ويبدو أنه انتقل مع أبيه إلى قرطبة في سنة ٤٤٣ هـ وبقي فيها بما فيه الكفاية كي يواصل ثقافته الأدبية والعلمية حتى لُقب بالقرطبي إلا أن أكثر شهرته هي الأندلسي. تتلمذ على يد أبي حيان وأبي العباس أحمد بن عمر العذري وأبي بكر المصحفي وأبي بن عبد البر الحافظ الذي تسلم منه إجازة رواية. لقد تولى أبوه وجده الحكم في ولبة وبشلطيش وهي جزيرة صغيرة على مصبّ الوادي الكبير بالقرب من إشبيلية. وحين استولى المعتضد بن عباد على مقاطعة لبلبة المجاورة، وكان هدفه ابتلاع عدد كبير من المدن وإلحاقها بمملكته تراءى الخطر لعبد العزيز فسلم مدينة ولبة لبني العباد وغادرها مع عائلته إلى قرطبة. فقضى المترجم له وطرًا من حياته فيها ثم انتقل إلى المرية بدعوة من أميرها محمد بن معن ولا شك أن سبب هذه الدعوة كانت شهرة الرجل بصفته أديبًا واستقبله حاكم المرية بترحاب وجعله من خلانه وانقسمت حياة أبي عبيد بين حياة البلاط والدراسة. وذهب البكري سنة ٤٧٨ هـ / ١٠٨٦- ١٠٨٥ م إلى إشبيلية موفدًا من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد. ثم عاد من جديد سنة ٤٨٣ هـ / ١٠٩١- ١٠٩٠ م إلى قرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد احتلال المرابطين لها والراجح أنه قضى بها بقية حياته بين الدراسة والحياة اللاهية مع أصدقائه وبها توفي أيضًا ودفن بمقبرة أم سلامة. آثاره له تآليف كثيرة منها: الإحصاء لطبقات الشعراء، اشتقاق الأسماء، سمط اللآلئ، المسالك والممالك، معجم ما استعجم، كتاب النبات وغيرها.

نامعلوم صفحہ

[المجلد الاول] المقدّمة ترجمة سعد غراب ليس من المفيد هنا أن نطيل في الحديث عن الحالة السياسية في الأندلس في القرن ٥ هـ/ ١١ م وهي الفترة التي عاش فيها البكري فهي معروفة من قبل كلّ المهتمين من قريب أو بعيد بتاريخ العالم الاسلامي بصفة عامة وبتاريخ المغرب بصورة خاصة فسنقتصر اذن على رسم الخطوط العامة للاطار الذي تكونت فيه ونمت آثار البكري موضوع هذا العمل. إن ارتقاء هشام الثاني عرش الأندلس وهو طفل بعد حكم مستقر ومزدهر للخليفتين عبد الرحمن الثالث (٣٠٠/٩١٢- ٣٥٠/٩٦١) وابنه الحكم الثاني (٣٥٠/٩٦١- ٣٦٦/٩٧٦) قد فتح عهدا من الاضطراب والصراعات الداخلية ستؤول بالخلافة الأموية إلى انهيار كلي سريع وسيشهد المرء مطالبين بالحكم يعتلون العرش تباعا أو في نفس الوقت وكل يعتمد على عناصر متعدّدة من عرب وبربر وصقالبة مكونة للجيش. فمن العشرية الأولى للقرن الحادي عشر ظهرت خلافة منافسة هي خلافة الحموديين بمالقة ثمّ بالجزيرة الخضراء وكان حكامها يتعاقبون أو يتزامنون مع ممثلي الخلافة الأموية الأخيرين وستتواصل هذه الحالة الى سنة ٤٤٢/١٠٣١ عندما سينتهي أمر الخلافة الأموية بزوال آخر خلفائها هشام الثالث. وبدأ بذلك في الأندلس عهد جديد أصبح فيه رسميا ما كان يعتبر منذ سنين عديدة أمرا واقعا وأصبح كل حاكم مستقلا بجهته أو مدينته، إنها فترة الفوضى والتشتت المعروفة بقرن ملوك الطوائف وسيحصى منهم في بعض الفترات أكثر من العشرين «١» .

1 / 5

إنه لمن الممل أن يتبع الباحث تاريخ هذه السنوات القاتمة المضطربة، فكتب التاريخ تعج بأخبار الحروب المتتالية لهذه الدويلات وتنعقد التحالفات وتنقطع عبر الأيام وتولد ممالك وتندثر أخرى الى أن تبرز من الخضم وحدات أكثر اتساعا واستقرارا تتمكن من البقاء الى آخر القرن «١» إذ ذاك انتهى الأمر بممالك الشمال مثل طليطلة وسرقسطة الى الانهيار تحت ضربات الأجوار المسيحيين: قشتالة وليون وأرغون. ومن البديهي أن النصارى لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الحالة المتداعية التي كانت عليها الأندلس في تلك الفترة فلقد استغلّوا كل الامكانيات المتاحة لديهم سواء كانت عنيفة أو سلمية لمدّ تأثيرهم الى جهات أوسع فأوسع من الأندلس نظرا لتشتّت المسلمين وعدم استقرار أمورهم وعجزهم عن الاتحاد والدفاع عن النفس. وبلغ هذا المدّ أوجه سنة ٤٧٨/١٠٨٥ عندما احتلّ الفونش السادس ملك ليون وقشتالة مدينة طليطلة. وكان لهذه الكارثة وقع عظيم في كلّ العالم الاسلامي وسببت ردود فعل أندلسية: فلقد وقع الاستنجاد بالمرابطين الموجودين آنذاك بشمال افريقيا، ونزل يوسف بن تاشفين بالأندلس سنة ٤٨٣/١٠٩٠ يقود جيوشه لمقاومة مسيحي الشمال ولكن سرعان ما تبيّن له ان ذلك غير ممكن ان لم يحدث تغيير جوهري في وضع الأراضي الاسلامية السياسي، سيقضى اذن على ملوك الطوائف الواحد تلو الآخر وتضمّ ممتلكاتهم إلى الدولة المرابطية. وبذلك أعاد يوسف بن تاشفين وحدة الأندلس السياسية رغم أنف الأندلسيين في الغالب ولفائدة الدولة المرابطية أولا ولكن لفائدة الأندلسيين أيضا ودافع عن الأندلس وتمكن من تمديد حياتها قرنين آخرين. إن القرن ٥ هـ/ ١١ م يقدم لنا لوحة قاتمة ومحزنة من الناحية السياسية ولكن كل ذلك لا يجب أن ينسينا جانب اللوحة الآخر. إن فترة التدهور السياسي والعسكري هذه تميزت بازدهار عجيب للحياة الثقافية والفنية وليست الأندلس المثال الوحيد لمثل هذا التناقض «٢» فإذا ما كانت قرطبة في عهد الأمويين مركزا ثقافيا مزدهرا فلقد

1 / 6

كانت وحيدة تقريبا أما في عهد ملوك الطوائف فلقد نشأت العديد من هذه المراكز وكان كل أمير ينافس أجواره وأعداءه ليجلب الى بلاطه الشعراء والأدباء والعلماء من مختلف الاختصاصات، يمكن أن نذكر من هذه الحواضر اشبيلية والمرية وباجة ومالقة وغرناطة فضلا عن طليطلة وسرقسطة قبل احتلالهما من قبل المسيحيين. انها الفترة التي لمع فيها أبرز اعلام الثقافة الأندلسية من أمثال ابن حزم وابن حيان وابن بسام وكثير من الأعلام الآخرين الذين نعرف على الأقلّ اسماءهم إن لم نعرف آثارهم التي اغتالتها عواصف التاريخ. إنّ البكري ينتمي الى هذه الفترة ويساهم كما سنرى في مظهريها: مظهر الانحطاط السياسي ومظهر الازدهار الثقافي. نعم إنّ آثاره ستولد وستنمو في هذه الفترة المتميزة اكثر من غيرها بالاضطراب وسيواصل البكري سنّة المدرسة الجغرافية العربية بعد اندثارها في المشرق وسيبقى دائما من أكبر أعلام الثقافة الأندلسية وأبرز جغرافي المغرب الاسلامي رغم بعض سمات الانحطاط الموجودة في آثاره. ترجمة البكري: «١» هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري المشهور خاصة بكنيته: «أبو عبيد» ولد بلبلة «٢» من عائلة عربية يرجع أصلها الى قبيلة بكر وائل تولى الكثير من أفرادها مناصب رسمية بالأندلس ولكن لا نعرف شيئا يذكر عن أوائل هذه العائلة ولا عن الفترة التي استقرت فيها بالأندلس. وأول بكري حفظ لنا التاريخ اسمه هو أحد أجداد أبي عبيد ويسمى أيوب بن عمرو البكري «٣» تولى في الربع الأخير من القرن ٤ هـ/ ١٠ م منصب القضاء ببلده ثم

1 / 7

ولي خطة الرد (أي ردّ المظالم) بقرطبة ويبدو أنه كان له تأثير كبير إذ نجده مع أخيه محمد يلعب دورا هاما في المصالحة بين الخليفة هشام II ووزيره المنصور بن أبي عامر سنة ٣٨٧/٩٩٧. وبعد ذلك بقليل نجد العائلة مستقرة بولبة ثمّ بشلطيش وهي جزيرة صغيرة على مصبّ الوادي الكبير بالقرب من اشبيلية ولكن لا نعلم بالضبط متى كان ذلك الاستقرار. ويبدو حسب ابن الأبار الذي يستشهد بابن حيان «١» ان محمد بن أيوب قد تولى حكم تلك الجهة وبقي على ذلك الى وفاته المحتمل حدوثها حوالي سنة ٤٣٣/١٠٤٠. فهل يمكن أن نعتبره أميرا مستقلا بتلك الرقعة الصغيرة؟ إنه من العسير أن نجزم بشيء في الموضوع ولكن يظهر أنه استقل سنة ٤٠٢/١٠١١- ١٠١٢ والمؤكد على كلّ حال هو أن العائلة كانت من أنصار المنصور بن أبي عامر أي انها معارضة للخليفة الأموي وكانت لها علاقات متينة باسماعيل بن عباد «٢» وهو من أوائل الذين استقلوا باشبيلية عن الحكم المركزي. فلا يستبعد اذن أن يكون محمد بن أيوب قد اتبع مثال اسماعيل بن عباد. وتولى الأمر بعد وفاة أبي زيد محمد ابنه أبو مصعب عبد العزيز بن محمد فسير مقاطعته الصغيرة المتكونة من ولبة وشلطيش في استقلالية كاملة وكان ثاني أمير لها حسب بعض الآراء والأول والوحيد حسب بعض الآراء الأخرى. ودام له الأمر الى سنة ٤٤٣/١٠٥١ حين استولى المعتضد بن عباد صاحب اشبيلية على مقاطعة لبلبة المجاورة، نعم لقد تمكنت قوّة المعتضد المتصاعدة منذ حوالي عشر سنوات من ابتلاع عدد كبير من المدن- الدويلات- والحاقها بمملكته التي كان يريد أن يكوّن حولها من جديد وحدة الأندلس. ولم تغير الروابط التي جمعت من القديم بين عائلة البكري وبني العباد من المشروع شيئا وتراءى الخطر لعبد العزيز فسلم مدينة ولبة لبني

1 / 8