وبها نخيل وثمار كثيرة، وزروعهم على ماء النيل، تمتد فتعمّ «١» المزارع من حد أسوان إلى حدّ الاسكندرية وسائر الريف، فيقيم الماء من «٢» عند ابتداء الحرّ إلى الخريف، ثم ينصرف فيزرع ثم لا يسقى بعد ذلك، وأرض مصر لا تمطر ولا تثلج، وليس بأرض مصر مدينة يجرى فيها الماء «٣» دائما غير الفيوم، والفيوم هذه مدينة وسطة، يقال إن يوسف النبي ﵇ اتخذ لهم مجرى يدوم لهم فيه الماء، وقوّم بحجارة وسماء اللّاهون.
وأما النيل فإنّ ابتداء مائه لا يعلم، وذلك أنه يخرج من مفازة من وراء أرض الزنج لا تسلك، حتى ينتهى إلى حدّ الزنج، ثم يقطع فى مفاوز وعمارات أرض النوبة، فيجرى على عمارات متصلة إلى أن يقع فى أرض مصر، وهو نهر يكون عند امتداده أكبر من دجلة والفرات إذا جمعا، وماؤه أشد عذوبة وحلاوة وبياضا من سائر أنهار الإسلام، وفى هذا النهر يكون التمساح والسقنقور وسمكة يقال لها الرعّادة «٤»، لا يستطيع أحد أن يقبض عليها وهى حيّة، حتى يرتعش وتسقط من يده، فإذا ماتت فهى كسائر السمك، وأما التمساح فإنه دابّة من دوّاب الماء مستطيل الرأس، طول رأسه يكون نحوا من نصف طول بدنه، وله أنياب لا يعض على دابة ما كانت من سبع أو جمل إلا مدّه فى الماء، وربما خرج من الماء فمشى فى البر، وليس له فى البر سلطان ولا يضر أحدا، وجلده يشبه السّفن الذي تتخذ منه مقابض السيوف، لا يعمل السلاح «٥» فيه إلا تحت يديه ورجليه «٦» ومكان الإبط، وأما السقنقور فإنه صنف من السمك، إلا أن له يدين ورجلين، ويتعالج به للجماع، ولا يكون فى مكان إلا فى النيل. وعلى حافات النيل من حدّ أسوان إلى أن يقع فى البحر مدن وقرى منظومة متكاثفة، وأسوان هذه ثغر النوبة إلا أنهم مهادنون، وبصعيد مصر جنوبى النيل معدن الزبرجد فى بريّة منقطعة عن العمارة، ولا يعلم فى الأرض معدن له غير هذا، وفى شمالى النيل جبل بقرب الفسطاط يسمى المقطّم، فيه وفى نواحيه حجر الخماهن، ويمتد هذا الجبل إلى النوبة، وعند هذا الجبل بحذاء الفسطاط قبر الشافعى فى جملة المقابر. وأما الاسكندرية فهى مدينة على شط البحر، كثيرة الرخام فى الفرش والأبنية والعمد، وبها منارة قد أسّست فى الماء من صخر رفيع السمك جدا، تشتمل على زيادة من ثلثمائة بيت، لا يصل المرتقى إليها إلا بدليل. ويسمى ما علا من النيل عن الفسطاط الصعيد، وما تسفّل منه الريف، ومن حدّ الفسطاط فى جنوبى النيل أبنية عظيمة يكثر عددها، مفترشة على سائر الصعيد «٧»، وبحذاء الفسطاط على نحو من فرسخين منها أبنية عظيمة، أكبرها اثنان ارتفاع
النص / 40