الإسلام منهم، وليس هم بنوبة ولا بزنج ولا بحبشة ولا من البجة، إلا أنهم جنس على حدة أشد سوادا من الجميع وأصفى، ويقال إنه ليس فى أقاليم السودان من الحبشة والنوبة والبجة وغيرهم إقليم هو أوسع منه، ويمتدون إلى قرب البحر المحيط مما يلى الجنوب، ومما يلى الشمال على مفازة ينتهى إلى مفاوز مصر من وراء الواحات، ثم على مفاوز بينها وبين أرض النوبة، ثم على مفاوز بينها وبين أرض الزنج، وليس لها اتصال بشىء من الممالك والعمارات إلا من وجه المغرب، لصعوبة المسالك بينها وبين سائر الأمم، وهذه جوامع ما يحتاج إلى معرفته من شرقى البحر من المغرب.
وأما الغربى من المغرب فهو الأندلس، والأندلس بلدان عريضة كثيرة المدن خصبة واسعة، ومدينتها العظمى تسمى قرطبة، وهى من الأندلس فى وسطها، والذي يحيط بالأندلس البحر المحيط، ثم يطوف بحر الروم بها إلى أرض افرنجة، فيأخذ من مدينة شنترين إلى أخشنبة ثم إلى إشبيلية ثم إلى سدونة ثم إلى الجزيرة ثم إلى مالقة ثم إلى بجّانة ثم إلى بلاد مرسية على مدينة لقنت إلى بلاد بلنسية ثم إلى طرطوشة وهى آخر المدن التى على البحر، ثم يتصل من جهة البحر ببلاد الافرنجة، ومن جهة البرّ يتصل ببلاد علجسكس، وهى بلاد حرب من النصارى، ثم يتصل ببلاد بسكونس وهم أيضا نصارى، ثم يتصل ببلاد الجلالقة وهم نصارى أيضا، فينتهى من الأندلس حدّان إلى دار الكفر وحدّان إلى البحر، وهذه المدن التى ذكرناها على الشط كلها مدن كبار عامرة، والأندلس فى أيدى بنى أمية ما افتتحت لبنى العباس ولا قدر عليها عبيد الله، ولما زالت دولة بنى مروان، عبر إليها من أزيلة المغرب إلى جزيرة جبل طارق بعض بنى أمية فتغلّب عليها، فهى فى أيديهم إلى وقت تصنيفنا هذا الكتاب. ومن مشاهير مدن الأندلس جيّان وطليطلة ونفزة وسرقصطة ولا ردة ووادى الحجارة وترجالة وقورية وماردة وباجة وغافق ولبلة وقرمونة ومورور واستجة وريّة، وهي كلها مدن عظام، وليس فيها ما يقارب قرطبة فى العظم والكبر، وأكثر أبنيتها من حجارة، وهى أبنية جاهلية لا تعرف فيها مدينة محدثة إلا بجّانة، فإنّها محدثة فى حدّ بلاد يقال لها البيرة وشنترين التى على البحر المحيط بها يقع العنبر، ولم نعلم ببحر الروم والبحر المحيط موضع عنبر إلا بشنترين وشىء وقع فى أيام مقامى بالشام بسواحل الروم، وتقع بشنترين فى وقت من السنة من البحر دابّة، تحتك بحجارة على شط البحر فيقع منها وبر فى لين الخز، لونه لون الذهب لا يغادر منه شيئا، وهو عزيز قليل فيجمع وتنسج منه ثياب، فتتلوّن فى اليوم ألوانا، ويحجر عليها ملوك بنى أمية، ولا ينقل إلا سرا، وتزيد قيمة الثوب عن ألف دينار لعزّته وحسنه؛ ومالقة سكانها عرب، وبها السّفن «١» الذي تتخذ منه مقابض السيوف؛ وجزيرة جبل طارق منها افتتح الأندلس فى أول الإسلام، وجبل طارق جبل عامر حصين بالقرى والمدن، وهو آخر المعابر بالأندلس؛
النص / 35