«كنت أسمع الأخبار الطائحة والكتب المصنفة، ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها، لبعدها منا، وتنائى ديارها عنا، فلما شرعت في تأليفي هذا الكتاب، تتبعت ثقاة الرواة، ووجدت أكثر مما كنت أسمع وأجل مما كنت أظن» .
ويشرح هذا المنهج قائلا: كنت أسأل الرجل عن بلاده، ثم أسأل الآخر والآخر لأقف على الحق، فما اتفقت عليه أقوالهم، وتقاربت فيه أثبته، وما اختلفت فيه أقوالهم أو اضطربت تركته، ثم أنزل الرجل المسؤول مدة أناسيه فيها عما قال، ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت، فإن ثبت على قوله الأول، أثبت مقاله، وإن تزلزل أذهبت في الريح أقواله، كل هذا لأتروى في الرواية، وأتوثق في التصحيح.
وهذا المنهج العلمي الصحيح الذي سلكه ابن فضل الله العمري مع رواته ومصادر أخباره، تؤكد مدى أهمية ما أورده وما أثبته، ولعل وظيفته في البلاط السلطاني قد أتاحت له فرصة مقابلة العديد من الواردين إلى البلاط، ويقول في ذلك: أسأل كل وارد على باب سلطاننا- أعزه الله بنصره- من جميع الآفاق، ووافد استكن تحت جناح لوائه الخفاق، وما أحدث مع رسول يصل من ملوك الأرض في مطارحة حديث ومرواحة قديم وحديث إلا وجريت بذلا ذل السؤال عن بلادهم وأوضاع ملوكها، ووظائف الرعايا في سلوكها وما للجنود بها، وطبقات أرباب الرتب العالية من الأرزاق، ومقدار تفرقة خزانة الإخلاق، وكيف زي كل إناس، وما يمتاز به كل طائفة من اللباس.
- ٤- وفي منهجه القائم على النقل من المتون السابقة والمؤلفات والكتب القديمة، فإنه يذكر عادة اسم المؤلف أو اسم الكتاب الذي أخذ عنه، ومن العجب أنه كان
3 / 11