بل ويقال أيضا: الإنعام دل على الرحمة، والغايات المحمودة دلت على الحكمة مع الرحمة، بل وعلى المحبة أيضا، وإكرام المؤمنين ونصرهم دل على المحبة والرضا، وعقوبة الكفار كقوم نوح وغيرهم دل على البغض والسخط، وحدوث الحوادث بعد أن لم تكن حادثة دل على ما يقوم بذاته من الفعل والكلام ونحو ذلك مما يتعلق بمشيئته وقدرته.
فإن قيل: فيجوز أن تكون ذاته موجبة للأفلاك وما تقوم به من الحوادث سببا لحدوث الأفعال الحوادث، وهذا يناسب قول من يقول من الفلاسفة: أنه تحله الحوادث كأبي البركات (¬1) صاحب «المعتبر» وغيره.
قيل: لكن من قال: تحله الحوادث لا يلزمه أن يقول: إن العالم قديم. وإن قال بذلك لم يكن له عليه حجة. فإن ذلك إذا كان جائزا أمكن إحالة حدوث العالم على حدوث بعض الأسباب. وأيضا فلو قدر أن ذاته مستلزمة لبعض الأعيان لم يجب أن تكون ذلك هي السماوات والأرض التي أخبرت الأنبياء: بأن الله خلقها في ستة أيام ثم استوى على العرش. فإن إخبار الأنبياء دل على خلقه لها في ستة أيام ثم استوائه على العرش. وهؤلاء الفلاسفة ينكرون خلقها في ستة أيام، وينكرون أنه بعد ذلك استوى على العرش.
والمعتزلة ونحوهم من الجهمية الذين ناظروا هؤلاء في مسألة حدوث العالم يعترفون بخلقها، وينكرون أن الله استوى بعد ذلك على العرش، ويحرفون معنى الاستواء كما يحرف المتفلسفة معنى الخلق في ستة أيام. وهذا مبسوط في موضعه.
صفحہ 98