فتبين أن كون الموجود وجد عن عدم ما سوى الخالق ليس بممتنع، وأن وجود الخالق لا بد منه، وأنه وحده غني عن كل ما سواه في كل ما يخلقه؛ ولهذا قال سبحانه: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي} (¬1) فهو سبحانه ليس له شريك في ملكه عاونه على خلق شيء لا مادة ولا غيرها، ولا له ولي من الذل كما يتولى المخلوق من يتعزز به. بل يتولى عباده رحمة وإحسانا إليهم، لا احتياجا واستعانة بهم؛ ولذلك قال سبحانه: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} (¬2) فبين أنه سبحانه ليس له ظهير يظاهره ويعاونه على شيء من الأشياء، بل هو الغني عن كل شيء في كل شيء، وأن ما خلقه من الأسباب لم يخلقه لحاجته في خلق المسبب إليه؛ بل لأن له في خلقه من الحكمة ما له في خلق المسببات أيضا؛ كما قال تعالى لما أمر المؤمنين بجهاد الكفار: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} (¬3).
وإن قالوا: لم نشهد حادثا إلا من مادة.
قيل لهم: ولم نشهد موجودا من غيره بلا مادة؛ وأنتم تقولون: إن الأفلاك حدثت عنه بلا مادة متقدمة عليها. فكيف أثبتم استغناه في إبداع الموجود الأكمل عن المادة -ولم تشهدوا ذلك- وجعلتموه محتاجا في إبداع الموجود الأنقص إلى المادة لكونكم لم تشهدوا حادثا إلا من مادة؟!
بل كان طرد قولكم: أن تنكروا وجود موجود بغيره إلا محدثا؛ فإنكم لم تشهدوا موجودا بغيره إلا محدثا عن عدم، أو كل ما شهدتموه موجودا من غيره؛ مثل الحيوان والنبات والمعادن لم تشهدوه إلا حادثا؟!
صفحہ 64