وقد سلك أبو حامد في الرد على الفلاسفة طريقا بينها فقال (¬1): ليعلم أن المقصود: تنييه من حسن اعتقاده في الفلاسفة، وظن أن مسالكهم نقية من التناقض ببيان وجوه تهافتهم؛ فلذلك لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول منكر مطالب، لا دخول مدع مثبت / (¬2) فأكدر (¬3) عليهم ما اعتقدوه، ومطوعا بإلزامات مختلفة: فألزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية، وطورا مذهب الواقفة، ولا أنتهض ذابا عن مذهب مخصوص، بل أجعل جميع الفرق إلبا واحدا عليهم؛ فإن سائر الفرق إنما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين.
فلنتظاهر عليهم؛ فعند الشدائد تذهب الأحقاد. (¬1)
[نقد شيخ الإسلام لطريقة الغزالي:]
قلت: الذي يجب على جميع الخلق: اتباع الرسل الذين أقام بهم الحجة على عباده، وعليهم أن لا يقفوا ما ليس لهم به علم، ولا يقولوا على الله إلا الحق، ولا يقولوا على الله ما لا يعلمون؛ فإنه قد علم بدلائل كثيرة: أن الرسل لا يقولون إلا الحق. ولا يجب، بل ولا يجوز أن ننتصر لصاحب مقالة ليس برسول، ولا لطائفة معينة غير المؤمنين بالله ورسله؛ فإن {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (¬2)، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} (¬3)، وقال تعالى: {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (¬4).
فلا يحل لنا أن يحملنا بغض قوم -وإن كنا نبغضهم في الله- على أن لا نعدل عليهم فيما هو من حقوق العباد. فكيف في أمور الديانات؟!
ليس لنا أن نقول فيها إلا الحق، ولا نقول ما لا نعلم.
صفحہ 155