ولئن كان مما لا شك فيه أن بين المهاجرين اليهود في فلسطين قوما من المتشيعين للاشتراكية والشيوعية، إلا أن الممولين اليهود للمستعمرات الفلسطينية هم من الرأسماليين، وحسبنا أن نذكر هنا أنه قد جمعت رءوس أموال ضخمة، دون عقد مؤتمر لهذا الغرض، وأن أهم البيوت المالية التي أرصدت مالها من أجل المشروع الصهيوني بيت روتشيلد المعروف، وقد وظفت هذه الأموال في ثلاث شركات تتولى كل منها ناحية من النواحي، وهي: (1)
شركة كارين كايمت-إسرائيل: واختصاصها شراء الأراضي من العرب. وهي تؤجر ما تشتريه لليهود ولا تبيعه لهم خوفا من أن يتسرب عن طريق الأفراد للعرب مرة ثانية. وما تجبيه من إيراد تأجير أراضيها تشتري به أرضا جديدة. ويحتم قانون هذه الشركة على مستأجري أراضيها ألا يسمحوا لعربي بالعمل في هذه الأرض. بل تنص في عقود الإيجار على فسخ التعاقد إذا خالف المستأجر اليهودي هذا الشرط وسمح لعربي بأن يطأ الأرض المشتراة من العرب! (2)
شركة تحسين الأراضي: ولا يدخل اسم هذه الشركة في غاياتها وأغراضها، فهي لا تقوم بإصلاح الأراضي وتمهيدها كما يبدو من الاسم، وإنما تنحصر أغراضها في تهيئة الصفقات للشركات الأخرى. ويدخل في نطاق التهيئة المساومة والإغراء والدخول في المزايدات التي تطرح فيها أراض عربية، ولا يجوز للأفراد أن يزيدوا على الأسعار التي تعرضها هذه الشركة، ويرأس هذه الشركة «خانكين» - الزعيم اليهودي الكبير - وهو رجل مثالي وقف حياته على استخلاص الأرض من العرب بأي سبيل، في سن الثمانين، يعيش عيشة بسيطة، لا يأخذ مرتبا عن عمله إلا ما يكفيه لحياته البسيطة، ويعيش في شقة متواضعة في أحد شوارع تل أبيب. ومجال نشاط هذه الشركة غير محدود، ولها مطلق الحرية في الشراء لحساب الشركتين اللتين تقومان إلى جانبها. (3)
شركة البيكا
Association
أي الشركة اليهودية لاستعمار أراضي فلسطين: ومهمة هذه الشركة أن تتملك الأراضي ومن ثم تقدمها للمؤسسات اليهودية بأثمان بخسة قد تقل عن ثمن الشراء. وقد تأسست هذه الشركة بأموال البارون روتشيلد الذي كان أول من ساعد على إنشاء مستعمرات يهودية مستقلة بإقطاع الأراضي للجماعات دون الأفراد.
ولقد اقترن النشاط العظيم الذي يقوم على حشد أعظم ما يمكن حشده من المهاجرين بنشاط أعظم منه، وهو امتلاك كل ما يستطاع امتلاكه من الأراضي من أصحابها العرب، وانتزاعها منهم بشتى الطرق ومختلف الوسائل. وتقدر مساحة الأراضي التي يمتلكونها اليوم في فلسطين بأكثر من مليونين ونصف دونم؛ أي أكثر من «700 ألف فدان» تعد من أجود الأراضي، وتقع في المناطق الجميلة الواسعة الممتدة بين يافا وحيفا وبين يافا والقدس وحول القدس، وفي مناطق بيسان وطبريا وصفد؛ أي في شمال فلسطين ووسطها، وقد مدوا أيديهم الآن إلى غزة وبير السبع؛ أي إلى المنطقة الجنوبية الرملية، ويعادل مجموع ما امتلكوه أكثر من ثلث أراضي فلسطين الزراعية الجيدة، وما كان يزيد مجموع الأراضي التي كانت لهم قبل الحرب؛ أي في العهد التركي، على 50 ألف دونم «12 ألف فدان»، ويزيد مجموع اليهود الذين ينزلون فلسطين اليوم على 550 ألفا، وما كانوا يزيدون على 40 ألفا في العهد التركي؛ أي إنهم زادوا أكثر من 12 ضعفا في 25 سنة. (2) نشاط اليهود في العالم
قلنا: إن قضية اليهود مزدوجة ذات شقين: أولهما الحركة الصهيونية التي ترمي إلى اتخاذ فلسطين وطنا قوميا تمهيدا لإنشاء دولة يهودية على حساب العرب. وقد أفضى هذا إلى الحوادث التي بسطناها. أما ثانيهما فهو ذلك النشاط أو قل ذلك النفوذ الذي بلغه اليهود، مع كونهم الأقلية في كل مكان مما كان من أثره كراهتهم واضطهادهم.
ونسارع إلى القول هنا بأن أكبر نفوذ فاز به اليهود كان في أمريكا؛ إذ كانت حياتها تدور حول المال الذي ليس هناك من يباري اليهود في ميادينه. ومع أنهم حول ثلاثة ملايين، فإن لهم نفوذا يؤثر على 130 مليون أمريكي في انتخابات رياسة الجمهورية ومحافظة نيويورك وعضوية المحكمة العليا، ولهم في إنجلترا نفوذ كبير، فكبار ساستهم موزعون بين الأحزاب خاصة حزب العمال،
1
نامعلوم صفحہ