مصابیح ساطعہ انوار
المصابيح الساطعة الأنوار
اصناف
ونزل برحمته للعباد منه تبيانا كريما مفصلا ، فيه لمن استغنى به أغنى الغنى، ولمن اجتنى ثمرات هداه أكرم مجتنى، لا يحتوي على جنائه أبدا محتوي، ولا يدوي على شفائه أبدا مدو، نور أعين القلوب المبصرة، وحياة ألباب النفوس المطهرة، إلف كل حكيم، وسكن نفس كل كريم، وقصص الأنباء الصادقة، ونبأ الأمثال المحققة، ويقين شكوك حيرة الارتياب، وخير ما صحب من الأصحاب، سر أسرار الحكمة، ومفتاح كل نجاة ورحمة، قول أرحم الراحمين، وتنزيل من رب العالمين، نزل به الروح الأمين، فأي منزل سبحانه ونازل وتنزيل، لقد جل سبحانه وتنزيله عن كل تمثيل، وطهر وتقدس إذ وليه بنفسه ونزل به روح قدسه عن قذف الشياطين وأكاذيبها، وافتراء مردة الآدميين وألاعيبها، فأحكم عن خطل الوهن والتداحض، وأكرم عن زلل الاختلاف والتناقض، فجل بآياته مترافدا، وبضياء بيناته مشاهدا، غير متكاذب الأخبار ولا متضائق الأنوار، بل ضحيان النور فتحان الأمور متيحان الأنهار بالحياة المنجية، واسع الأعطان والأفنية، ساطع النور والبرهان، جامع الفضل والبيان، فأنواره بضيائه زاهرة، وأسراره لأوليائه ظاهرة، فما أن يوارى عن أهله الذين استودعوا علمه من سرائره سريرة، ولا يدع ما وضع من نوره من مشكله حيرة، بعزائم حكماته المنزلة، ودلائل آياته المفصلة، فسبحان من جاد به طولا، وجعل سببه موصولا، لقد أجل سبحانه المنة به على العباد، ودلهم به تبارك وتعالى على كل رشاد، فجاد لهم منه بما لا تجود به نفس وإن عظم جودها، لقد جاد لهم منه بكنوز لا تبلى، وأعطاهم به عطية لا يجد لها واجد وإن جهد مثلا، فبذل لهم منه كنز الكنوز، ودلهم به على نجاة وفوز، فتح لهم أبواب الجنان وهداهم به سبيل الرضوان، ونبأهم فيه عن نبأ السموات العلى، وما مهد تحتهن من الارضين السفلى، وما فتق من الأجواء بين الأرض والسماء، وعن خلق الملائكة والجن والأنس فقد نبأهم، وعن كل علم كريم قيد به آثارهم، فقص به عليهم أخبار القرون الماضية، وخيرهم فيه بمن أهلك بذنبه من الأمم العاتية، فكل عجيب من الأشياء، أو قصة كريمة من قصص الأنبياء فقد أوصل فيه علمها إليكم، وأورد عجيب بيانها به عليكم، فعلى كتاب ربكم هداكم الله فاقتصروا، وبه فهو ذو العبر فاعتبروا، ففيه نوافع العلم وجوامع الكلم التي يستدل بقليلها عن كثير من تلبيس قال وقيل، ويستشفى من علمها بتفسير أدنى ما فيها من دليل، فسبيل قصده فاسلكوا، وبه ما بقيتم فتمسكوا، فهو ذروة الذرى وبصر مالا يرى، وعروة الله الوثقى، وروح من أرواح الهدى، سماوي أحله الله أرضه، وأحكم به في العباد فرضه فلا يوصل إلى الخيرات أبدا إلا به، ولا يكشف الظلمات إلا بثواقب شهبه، من صحبه صحب سماويا لا يجهل، وهاديا إلى كل خير لا يضل، ومؤنسا لقرنائه لا يمل، وسليما لمن صحبه لا يغل، ونصيحة لمن ناصحه لا يغش، وأنسا لمن وانسه لا يوحش، وحبيبا لمن حابه لا يبغض، ومقبلا على من أقبل عليه لا يعرض، يأمر بالبر والتقوى، وينهى عن المنكر والأسواء، لا يكذب أبدا حديثا، ولا يخذل من أوليائه مستغيثا، إن وعد وعدا أنجزه، أو تعزز به أحد أعزه، لا تهون لأوليائه معه حجة، ولا تبلى له مآقي أبدا بهجة، لا يخلقه كر ولا ترداد، ولا يلم به وهن ولا فساد، ولايعيا به وإن لكن إنسان، ولا يشبه فرقانه فرقان، ومن قبل ما صحب الروح الأمين والملائكة المقربين فكان لهم هاديا ومبينا، وازدادوا من الله يقينا فاتخذوه هاديا ودليلا، واجعلوا سبيله لكم إليه سبيلا حافظوا عليه ولا ترفضوه، واتخذوه حبيبا ولا تبغضوه، فإنه لا يحب أبدا لهم مبغضا، ولا يقبل على من كان عنه معرضا، ولا يهدي إليه من عاداه، ومن تعامى عنه أعماه، لا يبصر ضياءه إلا من تأمله، ولا يعطي هداه إلا أهله، من ضل عنه أضله، يقلد جهله من جهله، إن أدبر عنه أدبر، أو أقبل عليه بصر، جعله الله يتلون في ذلك بألوان، ويتفنن فيه على أفنان، فهو الهادي المضل، وهو المدبر المقبل، وهو المسمع المبصر، وهو المهين المكرم، وهو المعطي المانع، وهو القريب الشاسع، وهو السر المكتوم، وهو العلانية المعلوم، فمرة يعدي إليه من اصطفاه، ومرة يضل من أبى قبول هداه، ومرة يقبل على من أقبل عليه، ومرة يدبر عن من التوى في الهدى عليه، ومرة يسمع من استمع منه، ومرة يصم من أعرض عنه، ومرة يهين الأعداء، ومرة يكرم الأولياء، يعطي من قبل عطاءه، ويمنع من أبى قبول هداه، يقرب لمن ارتضاه، ويشسع عن من سخط قضاءه، يعلن لأوليائه ويظهر، ويكتم عن أعدائه ويستتر، نور هدى على نور، وفرقان بين البر والفجور، أرشد زاجر وآمر، وأعدل مقسط ومقدر، يوقظ بزجره النومى، ويعظ بأمره الحكماء، ويحيي بروحه الموتى، ولا يزيد من مات عنه إلا موتا، يعدل أبدا ولا يجور، وكل أمر فقدر مقدور، ظاهره ضياء وبهجة، وبطنه غور ولجة، لا يملك حسن أنواره ولا تدرك باطن أغواره، فمن ظهر لظاهر مناظره رأى عجائبه في موارده ومصادره، ومن بطن المستنبطة رأى مكنون محاسنه من غرائب علمه وأطائب حكمه، لباب كل لباب، وفصل كل خطاب، وحكمه من حكم رب الأرباب، اكتفى به منه في هدى ملأ أوليائه، واصطفى به من خصه الله سبحانه باصطفائه، فمصابيح الهدى به تزهر واهجة، وسبل التقوى به إلى الله تلوح باهجة، يحتاج إليه ولا يحتاج، سراجه أبدا بنوره وهاج، يعلم ولا يعلم ويقوم ولا يقوم، فهو المهيمن الأمين، والفاصل المبين، والكتاب الكريم، والذكر الحكيم، والرضاء المقنع، والمنادي المستمع، والضياء الأضوى، والحبل الأقوى، والطود الأعلى، الذي يعلو فلا يعلى، لا يؤتى لسورة من سوره بمثل ولا نظير، ولا يوجد فيه اختلاف في خبر ولا حكم ولا تقدير، فصل كل خطاب، وأصل كل صواب، فجعلنا الله وإياكم من أهله وعصمنا وإياكم بحبله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
صفحہ 141