فقال الرئيس: أخبرني بتلك الحكاية قال العادل: زعموا أن لصًا كان ماهرًا في صنعة السرقة وكان كثيرًا ما يقع في خاطره أنه ينقب خزانة الملك ويأخذ منها الذخائر ويطلب لذلك ممن يفشي إليه سره ذلك وهو يخاف من إفشائه، إلى أن زاد عليه الخاطر ولم يتمالك كتمانه وعجز عنه فوجد في ثيابه برغوثًا فقال في نفسه: هذا البرغوث قد أكل من حمي وشرب من دمي وهو حيوان ضعيف ولا لسان له يفشي السر به، ثم أدنى رأسه إلى البرغوث وهو في يده وقال: أعلم أيها البرغوث أني أريد أن أدخل دار الملك وآخذ مما تصل إليه يدي من الذخائر والدراهم والدنانير وأنا الآن مودعك هذا السر فلا تفشه عني. ثم أطلق البرغوث في ثيابه وقصد إلى دار الملك فلما دخلها اختبأ تحت الملك حتى يجد فرصة فيأخذ ما يريد فخرج البرغوث من ثيابه وقصد الملك فقرصه فأقلقه، فطلب النور ونظر في ثيابه فوجد البرغوث فأراد القبض عليه ففر ونزل تحت السرير ففتشوا عليه فوجدوا الحرامي فقبضوا عليه وفعلوا معه ما يجب فعله كما قيل:
مشى برجليه عمدًا نحو مصرعه ... ليقضي الله أمرًا كان مفعولا
وإنما أوردت هذا المثل لتعلم أن السر لا يؤمن عليه الحيوان بل ولا الجماد فضلًا عمن يكون فيه أدنى ناطقيه أو يسمى باسم إنسان. فلما انقضت هذه المحاورة وكان الأسد قد استوفاها من
1 / 64