وما بقيت من اللذات إلا ... أحاديث الكرام على المدام
فأجاب الضيف إلى ذلك فقال المضيف لولده: وكان أحول يا بني ادخل المكان الفلاني فإن فيه قارورة فجيء بها فدخل الولد فتراءى في عينيه قارورتان فأيتهما أجيء بها فخجل أبوه لذلك لئلا يتصور ضيفه أنه أخفى الأخرى منه وينسبه إلى الخسة واللؤم فقال: يا ولدي اكسر الواحدة وجيء بالأخرى فأخذ عصا ودخل فضرب إحدى ما كان تراءى في عينيه من القارورتين فلم يجد غيرها فخرج إلى أبيه وقال: يا أبت امتثلت أمرك وكسرت إحدى القارورتين ولا أدري الأخرى أين ذهبت، فقال: يا بني إن الخلل كان من عينيك. وإنما أوردت هذه الحكاية لتعلم أن العين هي أقوى طرق العلم في الإدراك للمحسوس وإذا أخطأت في بعض ما تراه فكيف يكون حال عين المفكر المحجوب بأنواع الحجب وتصرفها إنما هو في المعاني المعقولة دون المحسوسة. فعلى هذا ينبغي أن تتأملوا في هذه الحوادث وتنظروا في عقبى هذه الأمور ثم تشرعوا في تعاطيها والشروع فيها بعد إمعان النظر وإجادة الفكر. وأعلم أيها الرئيس النفيس أن الله تعالى لم يخلق في جميع مخلوقاته أعز جوهرًا من بني آدم وأن الله ﷿ اختصهم بسرعة الإدراك وحدة النظر ورباهم مثل ما تربى الدابة الطفل وهو أشفق بهم وأرحم من الوالدة بولدها، وقد وكل بحفظهم ملائكة حفظة واختصهم بأنواع العلم والأفكار الدقيقة وغامض الأسرار وأن علمنا بالنسبة إلى علمهم كعلم تعبير الفلاح الجاهل بالنسبة إلى علم المعبر، فقال العفريت: وما هو ذلك الفلاح وكيف كانت واقعته؟
فقال الوزير: ذكروا أن فلاحًا رأى في منامه بأنه خرج من ذكره مفتاح فأصبح فجاء إلى المعبر فقال: أعطني دينارًا لأعبر لك هذا المنام فإنه منام جيد فأعطاه دينارًا فقال له: يولد لك ولد ذكر جميل
1 / 45