فقال: ولو، إنها مسألة مبدأ.
فقلت: ليست مسألة مبدأ ولا رجل ولكنه نظام بارك ذلك كله.
فقال بمرارة: انتظر حتى يتبين لك النظام الجديد، لقد كان زهران حسونة في البدء موظفا كهؤلاء الموظفين الذين انقضوا على شركته ليديروها!
ولما أفاق الحاج زهران من الصدمة باع قصره، ففتح مقهى في مصر الجديدة، وضمن لنفسه مستوى من المعيشة لا بأس به، وهو يتظاهر دائما أمامنا بالشجاعة ورباطة الجأش، ويعلق على الأحوال بعبارات ذات مغزى ديني مثل الحمد لله، والأمر لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، له في ذلك حكمة، ويذهب به الحذر أحيانا إلى الثناء على القرار الذي جرده من ثروته فيقول: عدالة علينا أن نقبلها على العين والرأس.
ولكن تفضحه أحيانا ومضات فرح للكوارث لا يحسن مداراتها، مثل الأزمة الاقتصادية وورطة اليمن، وأخيرا 5 يونيو الذي دار رأسه فيه بنشوة النصر! لقد لاطمتني في ذلك اليوم المشئوم تيارات متناقضة كاد يختل لها عقلي، ولعله مما زاد إكباري لرضا حمادة أن المأساة قصمت ظهره، كما قصمت ظهرنا، وأنه نسي في ذلك اليوم كل شيء إلا حبه العنيد لوطنه.
زهير كامل
عندما التحقنا بالجامعة كان معيدا بقسم اللغة العربية تمهيدا لإرساله في بعثة إلى فرنسا. وسمعنا عنه ثناء طيبا من الدكتورين ماهر عبد الكريم وإبراهيم عقل، فقال الأخير عنه مرة: إنه مثال للفلاح إذا نبغ .
وحدثني رضا حمادة عنه فقال: عرفته في بيت الأمة خلال اجتماعات الطلبة، وهو من سمنود، ويعرف مصطفى النحاس معرفة شخصية.
وسافر في البعثة عام 1932 ثم رجع دكتورا عام 1938 أو 1939 فعين مدرس (ب) بهيئة التدريس الجامعية. وفيما بين تاريخ تعيينه وعام 1950 تركز نشاطه الفكري في الجامعة والتأليف، فأصدر كتبه المعروفة عن نظريات النقد العامة، ونقاد من الشرق والغرب، ودراساته عن شكسبير، وراسين، وبودلير، وإليوت، والشعراء الأندلسيين، وكان يتردد على صالون الدكتور ماهر عبد الكريم؛ فتوطدت بيننا صداقة متينة. وتزوج في أثناء الحرب من فتاة يونانية كانت تعمل في محل فينوس فأنجب منها ولدين وبنتا، وكان أستاذا جامعيا بالمعنى الدقيق، يكرس حياته للبحوث الأكاديمية، ولا حديث له خارج مضامينها، فلم أعرف له اهتماما عاما آخر. وحاولت أحيانا أن أستشف فيه الطالب الوفدي القديم فلم أفلح، ولكنه بخلاف الكثيرين كان يتمنى النصر للحلفاء، ربما حبا في الديمقراطية كما قال، أو ميلا مع عواطف زوجته، أو تعصبا لفرنسا التي عشقها من أعماق قلبه، وفي عام 1950 فاجأنا بما لم نتوقع أبدا، فرشح نفسه على مبادئ الوفد في إحدى دوائر القاهرة، وفاز بأغلبية ساحقة، وأثار سلوكه تساؤلات كثيرة، ولكن الدكتور ماهر عبد الكريم قال رغم تحفظه الشديد: إنه قرار يستحق الأسف.
وقال لي رضا حمادة: لعله يحلم بوزارة المعارف.
نامعلوم صفحہ