أحمد قدري
يقترن أحمد قدري في ذاكرتي بالشهد والفطائر المشلتتة والسينما، كما يقترن بواقعة لا تنسى. وهو قريب لي من أسرة ريفية، كان يفد إلينا في بعض المواسم لقضاء أيام في القاهرة، وكانت إقامته تنقضي في اللعب في شوارع العباسية الهادئة المحفوفة بالحقول والحدائق، كنت في التاسعة أو العاشرة، وكان يكبرني بخمس سنوات، وكان وحيد أبويه، وكان عفريتا بكل معنى الكلمة، واقترح ذات مرة القيام برحلة، ولكي يؤكد براءتها استأذن والدي في أن يصطحبني معه، وذهبت معه مرتديا بدلتي القصيرة، وقال لي ونحن في طريقنا إلى محطة الترام: سأشتري لك بسكوتا بشرط.
فسألت عن الشرط فقال: أن تحفظ تماما ما سأقوله لك ثم تردده عند عودتنا.
فسألت عما ينبغي لي حفظه فقال: إننا ذهبنا إلى سينما أوليمبيا وشاهدنا فيلما لشارلي شابلن.
فوعدته بذلك وأخذت البسكوت ثم ركبنا الترام، وغادرنا الترام في شارع لم أره من قبل، فمضى بي من حارة إلى حارة في عالم جديد وغريب ومثير، وجرني من يدي إلى مدخل بيت آية في الغرابة كان يجلس في دهليزه ثلاث نساء يبهرن النظر بألوان وجوههن وملابسهن، ولا يبالين أن ينكشف من أجسادهن ما ينكشف فوق السيقان، وتحت الأعناق، نهضت إليه إحداهن؛ فأجلسني مكانها وهو يقول: لا تتحرك من مكانك حتى أرجع إليك.
ووصى بي المرأتين، ومضى بصاحبته إلى الداخل، وركزت بصري في بلاط الدهليز المعصراني متجنبا النظر إلى المرأتين، شاعرا في الوقت نفسه بأن مخالفة خطيرة ترتكب على كثب مني، ومتابعا من حين لآخر صوت إحدى المرأتين وهي تغني «يوم ما عضتني العضة». ثم مالت نحوي الأخرى فسألتني: هل معك نصف ريال؟
فأجبت بالنفي فسألت: معك كم؟
فأجبت بخوف وأدب: شلن. - عال، تحب أفرجك على شيء لطيف لم تره؟ - ولكنه قال لي ألا أتحرك! - دقيقة واحدة في هذه الحجرة أمامك. - كلا! - لا تخف، مم تخاف!
وأخذتني من يدي إلى الحجرة، وأغلقت الباب وهي تقول: هات الشلن.
فأعطيتها إياه بلا تردد فقالت وهي تمسحني بعينيها: اخلع بدلتك.
نامعلوم صفحہ