استمعت إليه طويلا ضاغطا على انفعالاتي حتى لا أخل بواجب المجاملة ثم قمت للانصراف وأنا أسأله: ماذا عن المستقبل؟ - هل لديك اقتراح؟ - لدي اقتراح ولكني أخشى أن يكون جاهليا، هو أن تعود إلى النقد الأدبي!
فقال بهدوء: تلقيت دعوة للعمل في الخارج. - وعلام عولت؟ - إني أفكر.
وودعته وانصرفت، وبعد انقضاء عام على المقابلة طلعت علينا الصحف بأنباء مؤامرة جديدة للإخوان، ولم أعرف وقتها شيئا عن مصير عبد الوهاب إسماعيل الذي رجحت أنه غادر الوطن للعمل في الخارج، غير أن الصديق قدري رزق أكد لي أنه كان ضمن المؤامرة، وأنه قاوم القوة التي ذهبت للقبض عليه حتى أصيب بطلقة قاتلة فسقط جثة هامدة.
عبدة سليمان
لعلها كانت أول فتاة تعين بوزارتنا، ولكن مؤكد أنها كانت أول موظفة بإدارة السكرتارية. عينت في أيام الحرب العظمى الثانية، في نفس الشهر الذي تولى فيه عباس فوزي رياسة السكرتارية، كانت في الخامس والعشرين من عمرها، بضة ممتلئة، سمراء، متوسطة الجمال، خفيفة الروح، وكانت تحمل شهادة البكالوريا، ولم ترغب في الوظيفة حتى توفي والدها، وقال عباس فوزي محذرا: كونوا جديرين بالزمالة من فضلكم!
وهمس لي عم صقر وهو يقدم لي القهوة: صاحبتك من السيدة زينب!
فسألته: وما له؟ - السيدة مأهولة بالطلبة ولذلك فكثيرات من بناتها ...
ورسم بيده حركة مثيرة للشك، وعموما اشتدت العناية بالمظهر في السكرتارية، واسترقت الأعين النظر إلى ركن الحجرة حيث جلست عبدة إلى يمين الأستاذ عبد الرحمن شعبان. كان علينا أن ننتظر طويلا حتى تصير عبدة «عادة» يومية لا تثير الأهواء ولا تلفت النظر. وتواترت أخبار تصور سلوكها الخاص في حي السيدة بالاستهتار. وقال لي عم صقر: لا تصدق أن فتاة «شريفة» تقبل أن تعمل وسط الرجال.
فقلت له: ولكنها مؤدبة حقا وتصد عنها جميع الطامعين دون استغلال للدعابة.
فقال بإصرار: سياسة حلوة .. حفظا على كرامتها كموظفة، ولتوقع بالمغفل ابن الحلال!
نامعلوم صفحہ