مراقی الجنان
مراقي الجنان بالسخاء وقضاء حوائج الإخوان
اصناف
قال: أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري، غدوت يوما إلى مسجد الأحزاب، فصليت فيه، ثم اعتزلت غير بعيد، فإذا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا، في وسطهن جارية بديعة الجمال كاملة الملاحة. فوقفت علي وقالت: يا عتبة! ما تقول في وصل من يطلب وصلك؟ ثم تركتني وذهبت، فلم أسمع لها خبرا، ولا قفوت لها أثرا، وأنا حيران أتنقل من مكان إلى مكان. ثم صرخ وأكب مغشيا عليه، ثم أفاق كأنما صبغت وجنتاه بورس، ثم أنشد:
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... فيا هل تروني بالفؤاد على بعد
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم ... ولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد
فقلت: يا ابن أخي، تب إلى ربك واستغفر من ذنبك، فبين يديك هول المطلع.
فقال: ما أنا بسال حتى يؤوب القارظان.
ولم أزل معه إلى أن طلع الصبح. فقلت: قم بنا إلى مسجد الأحزاب ، فلعل الله أن يكشف كربك.
قال: أرجو ذاك إن شاء الله ببركة طلعتك.
فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب، فسمعته يقول:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النهى طربا
ما إن يزال غزال منه يقلقني ... يأتي إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر همته ... وما أتى طالبا للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثوابا ما أتى طهرا ... مضمخا بفتيت المسك مختضبا
ثم جلسنا حتى صلينا الظهر، وإذا بالنسوة قد أقبلن وليست الجارية فيهن، فوقفن عليه وقلن: يا عتبة، ما ظنك بطالبة وصلك وكاشفة بالك؟.
صفحہ 143