وبينما هم في الحديث إذ بدت لهم من النافذة عن بعد جماعة من الفرسان، تثب الكلاب من حولهم ومن خلفهم، وقد سار في المقدمة فارس معتدل القامة، كأنه عامل الرمح، وهو يعبث بسوطه في الهواء، فقال السلمي: هذا هو الوليد ومعه فتيانه، وقد قدموا من الصيد، وسيكونون بيننا بعد قليل.
فتمكن الزهري في مجلسه، وتمتم بكلمات ربما كانت تسبيحا، وربما كانت استنكارا، وومضت عينا ابن عنبسة بالشر، وتنحنح يزيد بن الوليد وقال في حزن وأسى: وهكذا تدور حياة هذا الشاب بين مرح ولهو، وغناء وطرب! يا لضيعة بني أمية!
ويصل الوليد إلى القصر، ومعه من ندمائه كاتبه عياض بن مسلم، وابن سهيل، والمنذر بن أبي عمر، وعبد الصمد بن عبد الأعلى، فيسرع إليه غلامه رستم الفارسي، وخادمه سبرة، فيخبرانه بكل ما دار بين القوم من أحاديث، فيعبس وجهه قليلا، ثم ينبسط عن ابتسامة ماكرة، فيها عناد، وفيها تشف، وفيها انتقام وعبث، ثم يقول: أبعثهم إلي هشام لينصحوني، أم يمهدوا السبيل إلى خلعي من ولاية العهد وتولية ابنه مسلمة؟ والله لن أخلع ما وضعه الله في عنقي، أو أموت دونه! يقولون: إني لاه عابث، سأريهم يا سبرة كيف أعبث بهم، وكيف ألهو بأشياخهم، وسأريهم أني لا أبالي بما يذيعون عني من كذب وبهتان، ادع عمر الوادي وأبا كامل، وادع جميع المغنين، فسوف يعرفون اليوم من هو الوليد بن يزيد؟ وانطلق سبرة يطيع أمر مولاه، وما هي إلا لحظات حتى سمع رنين العيدان، ونقر الدفوف، وأقبل المغنون، ومشى أمامهم الوليد نحو زواره، فلما دخل عليهم كان أبو كامل يغني:
عللاني واسقياني
من شراب أصفهاني
من شراب الشيخ كسرى
أو شراب الهرمزان
إن بالكأس لمسكا
أو بكفي من سقاني
إنما الكأس ربيع
نامعلوم صفحہ