والجواب الثالث: أن إبراهيم كان أبا الملة، ومحمدا كان أبا الرحمة. وفي قراءة ابن مسعود النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم،
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا لكم مثل الوالد»
«1» .
أي في الرأفة والرحمة. فلما وجب لكل واحد منهما حق الأبوة من وجه قرن بين ذكرهما في باب الثناء والصلاة.
والجواب الرابع: أن إبراهيم كان منادي الشريعة في الحج ومحمدا كان منادي الإيمان، فجمع الله تعالى بينهما في الذكر الجميل ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه أي لا يكره أحد ملة إبراهيم إلا من جهل نفسه وخسر نفسه كما قاله الحسن أي فلم يفكر في نفسه فيستدل بما يجده فيها من آثار الصنعة على وحدانية الله وعلى حكمته ثم يستدل بذلك على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولقد اصطفيناه في الدنيا أي اخترناه في الدنيا للرسالة من دون سائر الخليقة عرفناه الملة التي هي جامعة للتوحيد والعدل والشرائع وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130) أي مع آبائه المرسلين في الجنة
إذ قال له ربه عند استدلاله بالكواكب والقمر والشمس واطلاعه أمارات الحدوث فيها وذلك قبل النبوة وقبل البلوغ وذلك حين خرج من السرب أسلم أي فزد في مقالتك وقل لا إله إلا الله. قال أسلمت لرب العالمين (131) ويقال: قال له ربه حين دعا قومه إلى التوحيد أسلم أي أخلص دينك وعملك لله قال: أسلمت، أي أخلصت ديني وعملي لله رب العالمين. ويقال: قال له ربه حين ألقي في النار أسلم نفسك إلي، قال: أسلمت نفسي لله رب العالمين، أي فوضت أمري إليه وقد حقق ذلك حيث لم يستغن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار ووصى.
وقرأ نافع وابن عامر «وأوصى» بهمزة مفتوحة قبل واو ساكنة بها أي باتباع الملة إبراهيم بنيه وكانوا ثمانية إسماعيل وهو أول أولاده وأمه هاجر القبطية وإسحاق وأمه سارة، والبقية وهم: مدن، ومدين، ويقشان، وزمران، وأشبق، وشوح أمهم قنطوراء الكنعانية تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة. ويعقوب والأشهر أنه معطوف على إبراهيم، ويجوز كونه مبتدأ محذوف الخبر والمعنى أن يعقوب وصى كوصية إبراهيم. وقرئ بالنصب عطفا على نبيه، والمعنى وصى بها إبراهيم بنيه ونافلته يعقوب يا بني هو على إضمار القول عند البصريين ومتعلق بوصي عند الكوفيين لأنه في معنى القول إن الله اصطفى أي اختار لكم الدين أي
صفحہ 46