زكريا ويحيى وعيسى كفرا! فلم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة؟
والمعنى أنهم لو آمنوا بالتوراة لما قتلوا الأنبياء فآل أمرهم إلى كفرهم بجميع ما أنزل الله تعالى لا بالبعض كما ادعوا. فإن قيل قوله تعالى: آمنوا خطاب لهؤلاء الموجودين. وقوله: فلم تقتلون حكاية فعل أسلافهم. فكيف وجه الجمع بينهما؟ قلنا: معناه إنكم بهذا التكذيب للإنجيل والقرآن خرجتم من الإيمان بما آمنتم كما خرج أسلافكم بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بالباقين ولقد جاءكم موسى بالبينات أي بالآيات التسع وهي: العصا واليد، والسنون، ونقص الثمرات، والدم، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، وفلق البحر ثم اتخذتم العجل أي عبدتم العجل من بعده أي من بعد انطلاقه إلى الجبل وأنتم ظالمون (92) أي كافرون بعبادته وإذ أخذنا ميثاقكم أي إقراركم ورفعنا فوقكم الطور أي رفعنا فوق رؤوسكم الجبل حين امتنعتم من قبول التوراة وقلنا: خذوا ما آتيناكم بقوة أي اعملوا بما أعطيناكم من الكتاب بجد واسمعوا أي أطيعوا ما تؤمرون قالوا سمعنا قولك بآذاننا وعصينا أمرك بقلوبنا وغيرها وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي وادخلوا في قلوبهم حب عبادة العجل بسبب كفرهم السابق الموجب لذلك قل لهم يا أشرف الخلق بئسما يأمركم به إيمانكم بما أنزل عليكم من التوراة قولهم سمعنا وعصينا وعبادتهم العجل إن كنتم مؤمنين (93) بالتوراة كما زعمتم ف «إن» يجوز فيها الوجهان من كونها نافية وشرطية وجوابها محذوف تقديره فبئسما يأمركم. قل إن كانت لكم الدار الآخرة أي نعيم الدار الآخرة عند الله وهو الجنة خالصة من دون الناس أي خاصة بكم ليس لأحد سواكم فيها حق بأن صح قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى فتمنوا الموت كأن تقولوا ليتنا نموت إن كنتم صادقين (94) في مقالتكم لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم ولن يتمنوه أي لن يسألوا الموت أبدا بما قدمت أيديهم أي بسبب ما عملوا من المعاصي الموجبة لدخول النار، كالكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، وكتحريف التوراة والله عليم بالظالمين (95) أي الكافرين فيجازيهم ولتجدنهم أي والله لتجدن اليهود يا محمد أحرص الناس على حياة أي بقاء في الدنيا ومن الذين أشركوا أي وأحرص من مشركي العرب المنكرين للبعث لعلمهم بأن مصيرهم النار دون المشركين لإنكارهم له.
يود أي يتمنى أحدهم لو يعمر ألف سنة والمراد بألف سنة التكثير لا خصوص هذا العدد، وليس المراد بها قول الأعاجم: عش ألف سنة. «لو» مصدرية، وهي مع صلتها في تأويل مصدر مفعول «يود» وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فاعل لمزحزح أي وما أحدهم بمن يبعده من النار تعميره ألف سنة والله بصير بما يعملون (96) فيجازيهم به. قرأ السبعة بالياء التحتية ويعقوب من العشرة بالفوقية.
صفحہ 33