مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Muhammad Nawawi al-Jawi d. 1316 AH
142

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

تحقیق کنندہ

محمد أمين الصناوي

ناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

ایڈیشن نمبر

الأولى - 1417 هـ

اصناف

تفسیر

آيات الله آناء الليل أي يقرءون القرآن ساعات الليل وهم يسجدون (113) أي يصلون التهجد في الليل. وهذا كلام مستقل والصلاة تسمى سجودا. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات أي يبادرون مع كمال الرغبة في فعل أصناف الخيرات اللازمة والمتعدية وأولئك الموصوفون بالصفات السبعة من الصالحين (114) أي من جملة الذين صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه. وقال ابن عباس: أي من صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ويقال: مع صالحي أمة محمد في الجنة مع أبي بكر وأصحابه. واعلم أن اليهود كانوا أيضا يقومون في الليالي للتهجد وقراءة التوراة. فلما مدح الله المؤمنين منهم بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله: يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات فالإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله وكتبه، والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من المعاصي. فإيمان اليهود بالله مع قولهم عزير ابن الله، وكفرهم ببعض الكتب والرسل، ووصفهم اليوم الآخر بخلاف صفته، عدم الاحتراز عن معاصي الله وإضلال الناس وصدهم عن سبيل الله ومبادرتهم إلى الشرور. واعلم أن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل. وأفضل الأعمال الصلاة وأفضل الأذكار ذكر الله. وأفضل المعارف معرفة المبدأ ومعرفة المعاد. فقوله تعالى: يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون إشارة إلى الأعمال الصالحة الصادرة عنهم. وقوله تعالى: يؤمنون بالله واليوم الآخر إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم، فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية، وذلك أكمل أحوال الإنسان وهي المرتبة التي هي آخر درجات الإنسانية، وأول درجات الملكية. واعلم أن الغاية القصوى في الكمال أن يكون تاما وفوق التمام فكون الإنسان تاما ليس إلا في كمال قوته العملية وقوته النظرية، وكونه فوق التمام أن يسعى في تكميل الناقصين وذلك بطريقين إما بإرشادهم إلى ما ينبغي أو بمنعهم عما لا ينبغي، ثم الوصف بالصلاح غاية المدح ويدل عليه القرآن والعقل.

فإن الصلاح ضد الفساد وكل ما لا ينبغي فهو فساد سواء كان في العقائد أو في الأعمال، فإذا حصل كل ما ينبغي فقد حصل الصلاح فكان الصلاح دالا على أكمل الدرجات. ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات الثمانية قال: وما يفعلوا من خير فلن يكفروه.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالياء في الفعلين. لأن الكلام متصل بما قبله من ذكر مؤمني أهل الكتاب، فإن جهال اليهود لما قالوا لعبد الله بن سلام وأصحابه: إنكم خسرتم بسبب هذا الإيمان. قال تعالى: وما يفعلوا أي عبد الله بن سلام وأصحابه من خير مما ذكر ويقال: من إحسان إلى محمد وأصحابه. فلن يكفروه أي لن ينسى ثوابه بل يثابوا.

وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب لجميع المؤمنين الذين من جملتهم هؤلاء أي وما

صفحہ 147