روي عن ابن عباس أنه قال: إن أحبار المدينة إذا جاءهم أحد في الخفية لاستعلام أمر محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: هو صادق فيما يقول وأمره حق فاتبعوه، وهم كانوا لا يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلات التي كانت تصل إليهم من أتباعهم. ويقال: إن جماعة من اليهود كانوا مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرون مشركي العرب أن رسولا سيظهر منكم ويدعو إلى الحق وكانوا يرغبونهم في اتباعه، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حسدوه وكفروا به فبكتهم الله تعالى بذلك فقال: وأنتم تتلون الكتاب أي التوراة الناطقة بنعوت محمد صلى الله عليه وسلم أفلا تعقلون (44) أي أتتلونه فلا تعقلون ما فيه واستعينوا أيها اليهود على ترك ما تحبون من الدنيا وعلى الدخول فيما تستثقله طباعكم من قبول دين محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر أي بحبس النفس عن اللذات والصلاة فإنها جامعة لأنواع العبادات وإنها أي الصلاة لكبيرة أي لشاقة إلا على الخاشعين (45) أي المائلين إلى الطاعة الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم بالموت في كل لحظة وذلك لأن كل من كان منتظرا للموت في كل لحظة، لا يفارق قلبه الخشوع، فهم يبادرون إلى التوبة لأن خوف الموت مما يقوي دواعي التوبة. وأنهم إليه راجعون (46) في الآخرة فيجازيهم بأعمالهم يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (47) أي واذكروا أني فضلت آباءكم على الموجودين في زمانهم لا على من مضى ولا على من يوجد بعدهم، وأيضا معنى تفضيلهم على جميع العوالم أن الله تعالى بعث منهم رسلا كثيرة لم يبعثهم من أمة غيرهم ففضلوا لهذا النوع من التفضيل على سائر الأمم واتقوا أيها اليهود إن لم تؤمنوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل بالتأنيث على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وبالتذكير على قراءة الباقين منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل أي فداء ولا هم ينصرون (48) أي يمنعون من عذاب الله تعالى ومعنى الآية أن يوم القيامة لا تنوب نفس عن نفس شيئا ولا تحمل عنها شيئا مما أصابها بل يفر المرء فيه من أخيه وأمه وأبيه، ومعنى هذه النيابة أن طاعة المطيع لا تقضي عن العاصي ما كان واجبا عليه
. وإذ نجيناكم وقرئ «أنجيناكم» و «نجيتكم» ف «إذا» في موضع نصب عطفا على نعمتي عطف تفصيل على مجمل، وكذلك الظروف الآتية في الكلام المتعلق ببني إسرائيل وينقضي عند قوله تعالى: «سيقول السفهاء والخطاب للموجودين في زمن نبينا. تذكيرا لهم بما أنعم الله على آبائهم لأن إنجاء الآباء سبب في وجود الأبناء» . والمعنى ويا بني إسرائيل اذكروا إذ نجينا آباءكم من آل فرعون أي أتباعه وأهل دينه وعمر فرعون أكثر من أربعمائة سنة- وهو الوليد بن مصعب بن ريان- يسومونكم سوء العذاب أي يطلبون لكم أشد العذاب. ثم بين الله ذلك بقوله: يذبحون أبناءكم صغارا.
وقرئ «يذبحون» بالتخفيف. ويستحيون نساءكم أي يتركونهن أحياء صغارا. ويقال:
يستخدمونهن كبارا، وذلك أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس حتى أحاطت
صفحہ 19