وعندما أقول بضرورة منح المرأة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان، لا يدفعني إلى هذا الطلب إحساس الإنصاف نحوها قدر إحساسي بأن هذه المسئولية الجديدة ستجعلها تهتم بالمجتمع، فتزيدها يقظة، وتحملها على درس السياسة وقراءة الصحف والكتب؛ أي تزيد إنسانيتها.
ما هي هذه الدنيا التي نحيا فيها سبعين أو ثمانين سنة؟
هي المعارف التي تنبه ذكاءنا، وهي الكوارث التي تكسبنا حكمة العيش، وهي الاستمتاعات التي نستمتع بها ونحن أطفال ثم شبان ثم كهول ثم شيوخ. وليس من حق أحد أن يحرمنا معارفنا أو كوارثنا أو استمتاعاتنا، سواء في ذلك الرجال والنساء.
وإذا كنا نقول إنه على الرجل أن يكون حكيما، فإننا يجب أن نقول إنه يجب أن تكون المرأة حكيمة.
وهي لن تكون حكيمة إذا حرمناها معارف الدنيا واختباراتها، سواء منها ما يسر وما يؤلم. ونحن ننقص إنسانيتها بالقدر الذي ننقص به معارفها واختباراتها.
وهناك آلاف الجهلاء من الشبان والكهول الذين أفسدهم المجتمع بعاداته وتقاليده. وهم يخفون جهلهم بطلاء من الإحساسات الكاذبة والكلمات المبهرجة حين يقولون مثلا إنهم يحمون المرأة، وهي الرقيقة اللطيفة، من أقذار المجتمع ومشاق العيش.
ويتضح هذا الكذب في الإحساس حين نعرف أن مشاق البيت للمرأة أكثر من مشاق الحرفة للرجل، وأن تنظيف المطبخ والمرحاض وغسل ملابس الأطفال ليست على الدوام من الأعمال الخفيفة الرقيقة.
ثم هم يجهلون أن الإنسان ليس سلعة تبلى بالاستعمال، كأنها كرسي أو مائدة أو بساط أو سرير قد رثت بمرور السنين. وإنما هو ينضج ويبلغ الحكمة والسداد كلما زادت اختباراته ومعارفه. ولذلك أيضا يؤثر الرجل الحكيم الزواج من الأرملة التي خبرت الزواج سنتين أو عشر سنوات على الزواج من العذراء التي لم تخبر الزواج. وهو يسلك هذا السلوك لأنه يعرف أن المرأة إنسان يزداد حكمة وقيمة بالتعليم والتربية، وأن الجهل لا يمكن أن يكون فضيلة.
والواقع أن أعظم ما يؤخر المرأة في عصرنا هو التقاليد، هذه التقاليد التي جعلت الزمخشري يقول في كتابه «غريب الحديث» في صفحة 273 إن الأرملة مبغوضة «إذا مست شيئا أتلفته.»
وقد يوهم اسم الكتاب أن هذه العبارة منقولة عن حديث نبوي؛ ولذلك أسارع بالنفي، لأن الزمخشري قد نقلها عن إحدى السيدات.
نامعلوم صفحہ