فمن الدم اشتق العرب البدائيون، قبل آلاف السنين، الدميم والدميمة، وكذلك الدمامة، بمعنى القبح في الوجه.
ذلك أن الإنسان البدائي، قبل أن يعرف الزراعة، كان يقتات بالجذور أو الثمار البرية يجنيها من الغابات التي كانت تملأ الدنيا. وكان إلى ذلك الوقت لا يعرف السير جماعات أو قبائل. ولكنه كان مع ذلك يعرف العائلة؛ عائلة الأم فقط دون الأب.
كانت عائلة الإنسان البدائي تشبه عائلة الحيوان في وقتنا؛ أي تتألف من الأم وأبنائها في سن الرضاع أو ما يتجاوزه بقليل حين يستطيع هؤلاء الأبناء أن يستقلوا ويتركوا الأم، ولم يكن هناك مكان للأب في هذه العائلة الأولى؛ لأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لم تكن تزيد على إشباع الشهوة. وكان الاعتقاد السائد أن الأم وحدها هي التي تنجب الأطفال.
ولا يزال هذا الاعتقاد عاما عند بعض القبائل البدائية. كما أثبت ذلك مالينوفسكي في كتابه «الحياة الجنسية بين المتوحشين». فإن هؤلاء المتوحشين يقولون بأن المرأة تحمل لأن روحا أو طائفا يزورها وهي نائمة، فيلقي في رأسها بذرة الطفل الذي ينحدر إلى رحمها ويستقر وينمو حتى يولد.
واللغة العربية تدلنا على هذا الاعتقاد؛ فإن كلمة «حيا» تعني عضو التناسل في المرأة. وقد اشتقت منه كلمة «الحياة»؛ وذلك للاعتقاد بأن المرأة، عن سبيل الحيا، هي أصل الحياة. أما الرجل فلا شأن له في ذلك، واتصاله بالمرأة لا يزيد على أن يكون للذة والمتعة.
وبقاء الأطفال في حاجة إلى الرضاع والحمل نحو سنة أو أكثر، ثم حاجتهم بعد ذلك إلى من يحميهم من الوحوش، جعل بقاءهم مع الأم ضروريا نحو ثماني أو عشر سنوات. بل ربما أكثر. ثم حاجتهم بعد ذلك إلى من يحميهم من الوحوش، جعل تعلمهم كيف يتقون أعداءهم، وكيف يبحثون عن الثمار البرية، وكيف يتفاهمون بالكلمات القليلة التي يأخذونها عنها.
العائلة البشرية هي الأم مع أطفالها بلا أب. وكان قوت هذه العائلة هو الجذور والديدان والثمار فقط. ولم يكن لهذه العائلة من آلات سوى القليل جدا من الأحجار التي تستدق في طرف للحفر عن الجذور أو الديدان.
ولكن هذه العائلة تغيرت بعد ذلك من عائلة الأم إلى عائلة الأب حين عرف الإنسان البدائي الصيد.
وقد أدى الصيد إلى نتيجتين:
الأولى:
نامعلوم صفحہ