ولا ريب أن «الشخصية الإنسانية» في حال الذكورة والأنوثة عرضة لكثير من النقائض المحيرة للعقول: عقول الرجال وعقول النساء.
وكم يقول النساء عن تناقض الرجال ولا يخطئن المقال؟ كم يقلن: إن الرجل «كالبحر المالح» لا يعرف له صفاء من هياج؟ وكم يقلن: إن فلانا كشهر أمشير لا تدري متى تهب فيه الأعاصير؟ وكم تقول إحداهن للأخرى: حبيبك في ليلك عقرب في ذيلك؟ وكم لهن من أمثال هذه الأمثال مما لا يحفل به الرجال؟!
إنهن لا يعنين بمقاربة الرجل من طريق الفهم كما يعنين بمقاربته من طريق التأثير، ولو حاولن فهمه كما يحاولن التأثير فيه، لخرجن به لغزا من الألغاز وأعجوبة من أعاجيب البحار في قديم الأسفار، «فالشخصية» كلمة واحدة في اللغة، ولكننا نخطئ أبعد الخطأ إذا تصورناها شيئا واحدا؛ لأنها تنطوي تحت عنوان واحد؛ إذ هي أشياء لا تحصى من الغرائز والمدارك والأحاسيس وعلاقات المجاوبة بينها وبين العالم الذي تعيش فيه، وهي بهذا الخليط الواسع في حركة دائمة لا تستقر على وجهة واحدة برهة من الزمن، ولا تعهدها في الصحة ولا في الشباب كما تعهدها في المرض أو في الهرم، ولا تصدر فيها النزعة الواحدة من مصدر واحد في جميع الأوقات والأحوال.
فهي تختلف بين حالة وحالة، وتختلف بين سن وسن، وتختلف على حسب العلاقة بينها وبين هذا الإنسان وذاك الإنسان، وتختلف على حسب العلل والبواعث التي تحركها إلى الأعمال.
والمرأة كالرجل «شخصية إنسانية» تتعرض للتناقض من جراء هذا التعدد وهذا التقلب في عناصر كل «شخصية» تحمل عنوانا واحدا، وتشتمل على شتى العناصر التي لا يقر لها قرار.
ولكنها انفردت بأسبابها المقصورة عليها، وانفردت بمراقبة الرجل إياها، ومحاولة التوفيق بين غرائبها وبدواتها.
وعندها في صميم هذه الأسباب المقصورة عليها حالتان تضاعفان ظهور التناقض فلا يخفى كما يخفى تناقض الرجل على النظرة الأولى.
إحدى هاتين الحالتين طبيعة المراوغة التي وصفن بها إذ «يتمنعن وهن الراغبات».
والأخرى طبيعة الاستغراق في الساعة التي هي فيها، ونسيان ما قبلها وما بعدها، فيبلغ العجب أشده بمن يراقبها أن يراها تنتقل بين أطوارها، كما ينتقل الممثل بين أدواره ولا يخلط بينها أو لا يستبقي من سوابقها بقية في تواليها.
فمن المشاهد أن الرجل إذا قضى يوما أو أسبوعا في مناداة اسم من الأسماء - ولا سيما نداء المناجاة - أخطأ فسبق به لسانه في جلسة أخرى لا يود أن يذكره فيها، بل لعله يود أن يكتمه ولا يومئ إليه.
نامعلوم صفحہ