فمن الخطأ أن يرد على الخاطر أن التناقض من دهاء المرأة وتدبيرها، أو من ختلها وخداعها، فهي مخدوعة به قبل أن تخدع سواها، وهي في قبضته فريسة لا تملك ما تريد.
ولا بد من التناقض في طبع الأنثى؛ لأنها شخصية حية خاضعة للمؤثرات التي تتناوبها من عدة جهات، وهي كما أسلفنا في الفصل السابق مستجيبة للأثر الحاضر، وقد تبدهها الآثار الحاضرة من كل صوب ، لا من صوب واحد.
والمرأة من جهة ثانية عضو في بيئة اجتماعية هي الأمة أو المدينة أو القبيلة، فهي هنا زوجة أو بنت أو أخت أو صاحبة عمل تجمعها بتلك البيئة الاجتماعية صلة العرف أو الشريعة.
والمرأة من جهة غير هذه وتلك أنثى، لها تركيب حيوي يربطها بمخلوق آخر لا يتم وجودها بغيره.
والمرأة من جهة أخرى أم تحب أبناءها بالغريزة والألفة، وتصبر في سبيلهم على مشقات وآلام يؤدها الصبر عليها في غير هذه السبيل.
وهي بعد هذا كله كائن حي من حيث هي وليدة الحياة في جملتها، أيا كان النوع الذي تنتمي إليه، والأمة التي تعيش بينها، والعلاقة التي تجمعها بالزوج أو العاشق أو الأهل أو البنين.
وقد تختلف عليها هذه الوجهات جميعا فلا مفر لها من التناقض معها؛ لأن مقاصد الفرد المستقل، والأنثى المفتونة، والأم التي تنسى نفسها في حنانها، والكائن الاجتماعي الذي يرعى مطالب العرف والشريعة، أو الكائن الحي الذي تهزه الحياة بهذه النوازع كما تهزه بما عداها - كل أولئك يختلف ويتناقض لا محالة، ولا يتأتى التوفيق بينه إلا في الندرة العارضة.
فهاهنا مثلا فرد يريد بفطرته الفردية أن يستقل عن جميع الأفراد الآخرين، سواء كانوا من الآباء أو الأمهات أو الأزواج فلا يلبث أن يستقر فيه هذا الشعور الطبيعي حتى ينازعه فيه شعور الأنثى التي تريد أن تنضوي إلى رجل تهواه، وقد ينازعها شعوران بل أكثر من شعورين، إذا تعددت الصفات التي تستهويها من الرجال وتفرقت بينهم على نحو يضلل الإرادة ويشتت الأهواء.
ولا تلبث أن تنسى استقلالها الفردي، وتطاوع نزعتها الأنثوية، حتى يبرز لها المجتمع بحكم يخالف حكمها في الاختيار والترجيح، فيقودها إلى الجاه والمال وهي تنقاد إلى الفتوة والجمال، أو يلزمها الوفاء للزوج وهي تنظر إلى رجل آخر، نظرة الأنثى التي سبقت بفطرتها قوانين الأمم وقواعد الآداب، ولا تلبث أن تحتال على هذه البواعث أو هذه الوساوس حتى يغلبها حنو الأمومة ليربطها بمكان لا تود البقاء فيه، أو ينهض الكائن الحي في نفسها نهضة لا تطيع باعثا غير بواعث الحياة، بمعزل من نزوة الأنثى وقانون المجتمع وغرائز الأمهات.
فلا عجب في هذا التناقض ولا مباينة فيه للمعقول، ثم يضاف إليه تناقض آخر يرجع إلى تعدد الدواعي في كل صفة من الصفات التي أشرنا إليها.
نامعلوم صفحہ