وليس أجهل بأسرار الحياة - وسر الجنس أكبر أسرار الحياة - ممن يقنع في تفسيرها وردها إلى أصولها بمثل هذا التعليل القريب، فإن هذا التعليل القريب لا يكفي على الأقل لتفسير الظاهرة التي أشار إليها أولئك الدعاة؛ إذ إن الثمرات النباتية تتوالد في الموسم بعينه، وهي الغذاء الذي تعتمد عليه آكلات العشب من الحيوان، ومتى زادت قوة التوالد في النبات فأحرى أن تزيد قوة التوالد في الأحياء لغير ذلك السبب الذي ذكروه وعلقوه بزيادة الثمرات.
ومن الحيوان ما يعتمد على اللحوم دون العشب ويأكل منها طوال العام، ومنها الأسماك التي لا مواسم عندها للنبات وهي مع هذا تعرف لها مواسم للتناسل، وتخرج إلى الأنهار القصية قبل الأوان الملائم للقاح بين جراثيم الذكورة والأنوثة.
وقد تختلف الأوابد والدواجن في موسم التناسل، ولكنها على التعميم لا تقارب الأنثى بعد حملها، ولا تعبث بغريزة النوع للذة الأفراد، فالسر أعمق مما يظنون بكثير.
وحواجز الجنس ودوافعه لا تفسر كلها بأمثال ذلك التعليل الهزيل.
ومما لا شك فيه أن الأخلاق الجنسية كسائر الأخلاق، قوامها ضبط النفس وهو لا يوافق الذهاب مع الهوى حيثما تعرض المرء للاستهواء، ولا بد من ضبط النفس، والقدرة على الامتناع لتحقيق كل خلق كريم يصلح للأفراد أو للأقوام أو للأنواع.
والإنسان أحوج إلى الحواجز الجنسية من الحيوان، وليس بأغنى منه عن تلك الحواجز تقدما مع الحرية كما يخيل إلى أولئك الثراثرة السطحيين.
فالحيوان يتشابه ويتماثل ويصعب التفريق بين أفراده في الصفات المشتركة في سلالة النوع كله. فلا ضير على النوع أن يتلاقى أي ذكر بأي أنثى أو ينتجا أمثالهما من الذكور والإناث.
لكن الأنواع كلما ارتقت تعددت الصفات التي يكمل بها الفرد ذكرا كان أو أنثى. ويبلغ تعدد الصفات أقصاه في النوع الإنساني، سواء بين الذكور أو بين الإناث، حتى ليكاد الفرق بين رجل ورجل، والفرق بين امرأة وامرأة يلحق بالفرق بين نقيضين أو مخلوقين من نوعين مختلفين.
فليس كل رجل بديلا من كل رجل، وليست كل امرأة بديلا من كل امرأة، ويجب على الرجل إذن أن يمتنع حتى تتاح له المرأة التي تلائمه، وعلى المرأة أن تمتنع حتى يتاح لها الرجل الذي يلائمها.
ويجب أن يتعلق الأمر ب «الشخصية» المميزة لا بمجرد امرأة كائنة ما كانت أو بمجرد رجل كائنا ما كان، كما يغني كل فرد عن مثيله في الأنواع الوضيعة بين الأحياء.
نامعلوم صفحہ