وقال الألوسي صاحب «روح المعاني» من المفسرين المحدثين: وقيل: بينما هما يتفرجان في الجنة إذ راعهما طاووس تجلى لهما على سور الجنة، فدنت حواء منه، وتبعها آدم فوسوس لهما من وراء الجدار. وقيل: توسل بحية تسورت الجنة، والمشهور حكاية الحية. وهذان الأخيران يشير أولهما عند ساداتنا الصوفية إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة، وثانيهما إلى توسله بالغضب.
ومرجع هذا الشرح كما هو ظاهر، قصة التوراة التي حفظها وهب بن منبه، ورواها لصحبه من المسلمين بعد دخوله في الإسلام، ونصها كما جاءت في الإصحاح الثالث من سفر التكوين:
وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية، فقالت للمرأة: أحقا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، وأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر، وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان واختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة: فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه، وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا: لا تأكل منها - ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكا وحسكا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك، تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود.
وعلى هذا المرجع من التوراة اعتمدت كتب العهد الجديد حيث جاء في الإصحاح الحادي عشر من كتاب كورنثوس الثاني:
ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح.
وجاء في تيموثاوس من الإصحاح الثاني:
إن آدم لم يغو، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي.
تلك قصة الشجرة في كتب الأديان، وهي تعبر برموزها السهلة عن بداهة النوع المتأصلة في إدراكه للمقابلة بين الجنسين، وعن دور كل منهما في موقفه من الجنس الآخر، على الوجه الوحيد الذي تتم به إرادة النوع، والمحافظة على بقائه، وإنما تتم هذه الإرادة بين جنس يملك الزمام، وجنس تقوم إرادته على أن يحرك إرادة غيره، وقد ترجمت قصة الشجرة سر الجنس الكامن في طبائع الأحياء جمعاء، بين الإرادة والإغراء، وبين المطاردة والانقياد، فانطوت في هذا السر كل خليقة يتميز بها الذكور والإناث، وتنتقل إلى العالم الإنساني، فيتميز بها الرجال والنساء تمييزا يبقى في كيان الخلقة، وفي دقائق الخلايا الجسدية التي يتركب منها ذلك الكيان، بعد كل دعاية مذهبية، وكل طور من أطوار المجتمع السياسي. وبعد كل ترويج أو تهريج يلغط به أولئك الذين ينظرون حولهم ولا يحسون، أو يحسون ما حولهم وما في أنفسهم ولا يفقهون.
ومن نقائض الطبع الأنثوي التي أشرنا إليها فيما تقدم، أن تخالف المرأة أشد المخالفة وتذعن غاية الإذعان، حين يضطرب الحس فيها بين إرادتها الفردية وإرادتها النوعية.
وحب الإغراء على هذا النحو مفهوم بشطريه أو بنقيضيه، مفهوم على الموافقة وعلى المخالفة؛ لأن المرأة محكومة لا تحكم غيرها إلا من طريق إغرائه، أو من طريق تنبيهه إلى ما هو «شهي للنظر بهجة للعيون» كما جاء في العهد القديم.
نامعلوم صفحہ