هي تجتذب بظاهر فيها قلبا بعد قلب، وإذا هي تورد القلوب موارد المنون، طلقة المحيا، وادعة الأسارير، يستبين وجهها في إطار من خمار أسود قشيب، البشر في عينيها، والفرحة كأمواج النسيم تداعب عطفيها، فمها ينبوع ماء حي يود أن يعب منه كل ظمآن، أسنانها بيضاء كياسمين منضد، صقيلة لماعة كأندر وأغلى العاج، جبينها ناصع كالصراحة، ونظرتها باترة كالعزيمة، وضحكتها مدوية كالحرية، ولمعة تفكيرها العبقري تجثم في عمق عينيها كما يجثم سر الحياة الكبرى في مقدس بدنها الغض الجميل.
لها وجه كأنه إشراقة الصبح أو صفحة البدر، أو تبلج الحق بين ظلمات الشكوك، به عينان حوراوان امتزجت بهما صولة السحر بنشوة التمر، فكانتا شباك الفتنة لصيد القلوب، وأنف حسن الله تقويمه وأبدع تكوينه، فزاد وجهها جمالا، وثغر دري ياقوتي، تهيم به الشفاه، وتحوم حوله القلوب ظمأى، كما تحوم طيور الصحراء حول معين الماء العذب النمير.
كانت فتاة فارعة القد ممتلئة الجسم، جرى حديث جمالها الفاتن من فم إلى فم، وتنقل من دار إلى دار، حتى أصبحت مضرب المثل بين فتيات المدينة، ومقياس الجمال كلما عرض ذكر الجمال.
كانت فتاة جميلة فائقة الحسن، فاتكة اللحظات، رائعة القسمات، لم تطلع الشمس على أنضر منها وجها ولا أملد عودا، ولا أشد إغراء وفتنة، يصدق فيها قول الشاعر:
ومليح قال صفني
أنت في القول فصيح
قلت قولا باختصار
كل ما فيك مليح
ولعل أجمل ما قيل في وصف المرأة: «كلما تأملت الوردة المنتفخة، تمثلت فمك الساخر، حيث يضحك في رياء دم شرفك المطعون، وكلما تأملت الثمرة الناضجة، تمثلت صدرك الفاجر، حيث يمرح في دهاء سر قلبك المدفون، وكلما تأملت النجمة الساطعة، تمثلت بصرك الزائغ، حيث يلسع في هدوء خبث عقلك الملعون، أنت الشوكة لا الوردة، والدودة لا الثمرة، والسحابة لا النجمة، والشقوة لا النعيم.
لقد عرفتك، ومن عرف المرأة معرفتي بك آثر حرقة الزهد على وهم التمتع، ولوعة الوحدة على فرح الحياة، وكبرياء النفس على ذل الحب، حتى ولو كان في الزهد والوحدة والكبرياء فناء الجسم وموت القلب وعذاب السعير.
نامعلوم صفحہ