فيوم الطف فتح أسلامي بعد الجاهلية المستردة من جراء أعمال الامويين ، ولفيفهم الذين لم يستضيئوا بذلك الألق الساطع ؛ نور التوحيد وشعاع النبوة.
إن الحسين لم يكن قاصدا في خروجه محض السلطنة ، والرئاسة ، وخفقان الرايات. فإنه لو كان هذا غرضه ؛ لاتخذ الوسائل الموصلة إليه وهو أعرف بها ، ولم يذع إلى من كان معه من الأعراب قتله ، وهلاك من معه ، واستسلام عائلته للأسر ؛ فيتفرق جيشه ، وتتضاءل قواه الصورية. لكن نفسه المقدسة وهكذا الأحرار أبت كتمان الأمر وإيهام الحال حتى أختبرهم بالإذن في المفارقة ، فذهب عنه من كان همه الطمع ، وأبى أولئك الصفوة إلا مواساته ونصرته. فلا الجبن يطرق ساحتهم ، ولا الانكسار يبين في مجاليهم ؛ لأن ذلك شأن الآيس من غايته ، والقوم كانوا على يقين من الظفر بالأمنية ، كما تنم عنه كلماتهم التي أجابوا الحسين (ع) بها لما أنبأهم ليلة عاشوراء بحراجة الموقف ، ورفع عنهم البيعة ، وخلى لهم السبيل.
فقالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك. ولو كانت الدنيا باقية ، وكنا فيها مخلدين ؛ لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فوجدهم (عليه السلام) متفانين في الجهاد معه ، والذب عن قدس الشريعة. وتلا على الملأ سطرا من صحيفتهم البيضاء بقوله : «إني لا أجد أصحابا أوفى من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي» (1).
وإني لأعجب من الرواة وحملة التاريخ ، حيث توسعوا في النقل ، فقذفوا اولئك الأطهار بما يندى منه وجه الإنسانية ، ويأباه الوجدان الصادق ، فقيل : كان القوم بحالة ترتعد فرائصهم ، وتتغير ألوانهم كلما اشتد الحال إلا الحسين ، فإن أسرة وجهه تشرق كالبدر المنير!! (2). وهذا بعد أن أعوزتهم الوقيعة في شهيد العز والإباء ، فلم يجدوا للغمز فيه نصيبا ؛ فمالوا على صحبه وأهل بيته! وليس هذا إلا من الداء الدفين ، بين أضالع قوم دافوا السم في الدسم إلى سذج حسبوه حقيقة راهنة ، فشوهوا وجه التاريخ
صفحہ 68