وسؤال الامام الصادق (ع) عن وجود العين عليهم يوم كان في الحجر ومعه أصحابه ، فعرفوه بعدم العين ، فقال : «ورب هذه البنية ثلاثا لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ، ولانبأتهما بما ليس في ايديهما. أنهما اعطيا علم ما كان ويكون وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله» (1). فبعد التسليم بصحة الحديث ، وعدم ضعف إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، نقول : بعدم منافاته لعلمه الواسع ؛ لما ورد عنهم أنهم غير مكلفين باظهار ما يعلمونه ، بل لابد من العمل بما توجبه التقية ظاهرا. أو لأنه كان يراعي حال بعض أصحابه في ظنه بوجود العين عليهم ، وهذا نظير قوله الآخر : «إني أعلم ما في السموات والأرضين ، وأعلم ما في الجنة والنار ، وأعلم ما كان ويكون» ، فلما رأى عظم ذلك وخاف على من عنده ، قال (ع): «إني علمت ذلك من كتاب الله ، إن الله تعالى يقول : (فيه تبيان كل شيء)» (2)، فالإمام (ع) راعى حال أصحابه ، فاستدل لهم بما يقنعهم.
وهكذا الأئمة (عليهم السلام) فيما يعلمونه من المصالح الوقتية ، والأحوال الشخصية. وقوله (ع) في حق موسى والخضر (عليهما السلام): «أنهما أعطيا علم ما كان» لا ينافي علم الخضر بمستقبل أمر الغلام ، فإنه من القضايا التي أطلعه الله عليها لمصلحة وقتية. وأما ما ورد عنهم (عليهم السلام): «إن الإمام أذا أراد أن يعلم شيئا ، أعلمه الله» (3)، فليس فيه دلالة على تحديد علمهم في وقت خاص ؛ بل الحديث يدل على أن إعمال تلك القوة القدسية ، الثابتة لديهم عند الولادة موقوف على إرادتهم المتوقفة على وجود المصلحة في إبراز الحقائق المستورة ، وإظهار ما عندهم من مكنون العلم. على أن هذا المضمون ورد في أحاديث ثلاثة ردها المجلسي في مرآة العقول بضعف بعضها ، وجهالة الآخرين.
فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : إن الله تعالى أفاض على خلفائه الأطهار ملكة نورية ، تمكنوا بوساطتها من استعلام ما يقع من الحوادث ، وما في الكائنات من
صفحہ 52