ومن الجمهور، حيث اكتفوا به في الأصول (1)، فأراد المصنف بذلك التصريح بخلاف مقالتهم بعد إيجابه للمعارف بالدليل؛ لزيادة البيان. ولأنه لا يلزم من إيجاب الدليل مطلقا عدم إيجاب غيره؛ لجواز وجوب أحد الأمرين تخييرا، والواجب التخييري أحد أفراد الواجب بقول مطلق.
والمراد بالتقليد: الأخذ بقول الغير من غير دليل، مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه، كأنه يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلده، ومن اشتقاقه يظهر اعتلاله وخطره.
(والعلم المتكفل) أي الضامن مجازا (بذلك) الواجب من هذه المعارف بأدلتها هو (علم الكلام) وهو العلم الباحث عن الذات الإلهية وصفاتها وأفعالها، والنبوة، والإمامة، والمعاد، وما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من الشرائع والأحكام وتفاصيل الأحوال على قانون الإسلام، سمي بذلك؛ لأنه أول ما يجب من العلوم التي لا تعلم ولا تتعلم إلا بالكلام، فأطلق عليه هذا الاسم لذلك.
ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات، وإلزام الخصوم وحل الشبهات، وإيراد السؤالات والجوابات.
ولأنه أكثر العلوم خلافا ونزاعا، فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين والرد عليهم.
ولأن مسألة الكلام كانت أشهر مباحثه وأكثرها نزاعا وجدالا، حتى قتل بسببها خلق كثير، فضلا عن العداوة فيها.
ولأن عنوان مباحثه كان قولهم: الكلام في كذا وكذا.
ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم، كما يقال للكلام المتين: هذا هو الكلام.
ولأنه لابتنائه على الأدلة القطعية أشد العلوم تأثيرا في القلب، فسمي بالكلام
صفحہ 46