بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
وأحمَدُهُ على ما أدرَجَ من آلائهِ. في تضاعيفِ ابتلائهِ. وما رَزَقَني من دَرْك الغِبْطة. بما أذاقَني مِن مَسّ السَخطَة. وما تَهدَّلَ عليَّ مِن ثَمَرِ ألطافه. حتى استَمكنَتْ أصابعي مِنَ اقتطافهِ. واستَعينُهُ في الاستقامةِ على سَواء سبيلِهُ. وأستعيذ بهِ مِنَ الاستنامةِ إلى
1 / 6
الشيطان وتَسويلهِ. وأُصلّي على المُبتَعث بالفُرقانِ السّاطعْ. والبرْهانِ القاطِعْ. مُحَمّدٍ وآلهِ هذهِ مَقَاماتٌ أنشأها الإمام فخْرُ خوارِزْمَ أبو القاسمِ محمودُ بنُ عُمَرَ الزَّمخشريُّ والذي ندَبَهُ لإنشائْها أنَهُ أرِيَ في بعض ِإغفاآتِ الفجرِ كأنّما صَوَّتَ بهِ منْ يقولُ لهُ يا أبا القاسمِ أجَلٌ مكتوبٌ. وأمَلٌ مكذوبٌ. فهَبَّ مِنْ إغفاآته تلكَ مَشخوصًا بهِ ممّا هالَهُ منْ ذلكَ ورَوَّعَهُ. ونَفّرَ طائرهُ وفزَّعَهْ. وضمَّ إلى هذه الكلماتِ ما ارتفعَت بهِ مقامَهْ وآنسَها بأخَواتٍ
1 / 7
قلائِلَ ثمَّ قطع لمُراجعةِ الغَفلة عنِ الحقائقِ وعادة الذُهولِ عن الجِدّ بالهزْلِ فلما أصيبَ في مستهلّ شَهرِ الله الأصمّ الواقعِ في سَنةِ ثنتيْ عشرَةَ بعدَ الخمسِمائةِ بالمَرْضةِ النّاهكةِ التي سمّاها المُنذِرَة كانت سببَ إنابتِهِ وفَيئتهْ. وتغير حالهِ وهيئتهْ. وأخذهِ على نفسهِ الميثاقَ للهِ إنْ مَنَّ الله عليهِ بالصّحةِ أنْ لا يطأ بأخمَصِهِ عتَبَةَ السلطانِ. ولا واصلٍ بخدمةِ السلطانِ أذْيالَهُ وأنْ يربأَ بنفسهِ ولسانهِ عن قرْضِ الشعرِ فيهمْ. ورفعِ العقيرةِ في المدحِ بينَ أيديهمْ. وأنْ يعفَّ عن ارتزاقِ عَطِيّاتهم. وافتراضِ صِلاتِهمْ. مَرسومًا وإدرارًا وتسويفًا ونحوِه. ويجِدَّ في إسقاطِ اسمه من الديوانِ ومحْوِهِ. وأن يُعنّفَ نفسَهُ حتى تقِئَ ما استطعَمَتْ في ذلك فيما خَلالها في سِي جاهليّتها
1 / 8
وتتقنّعَ بقُرصيّها وطمْريَها وأنْ يعتصِمَ بحبلِ التَوكلِ ويتمسَك. ويتَبتّلَ إلى ربّهِ ويتنسّكْ. ويجعلَ مسكنَهُ لنفسهِ محبَسًا. ويتخذَهُ لها مخيّسًا. ولا يَريمَ عن قرَارهِ ما لمْ يضَطرَّهُ أمرٌ ذو خيرٍ لا يجدُ الصالحُ بُدًا من توليّهِ بخطوةٍ. وأن لا يُدرّس منَ العلومِ التي هو بصددِها إلا ما هوَّ مهيبٌ
1 / 9
بدارسهِ إلى الهُدى. رادعٌ لهُ عنْ مُشايعةِ الهَوى. ومُجدٍ عليهِ في عُلومٍ القراءاتِ والحديثِ وأبوابِ الشرعِ منْ عرَفَ منه أنهُ يقصدُ بارتيادهِ وجهَ الله تعالى ويرْمي به الغرضَ الراجعَ إلى الدينِ ضاربًا صفَحًا عمّن يطلُبهُ ليتّخذهُ أههبةً للمبُاهاةِ وآلةً للمنُافسةِ ويتسوَّرَ على اقتباسهِ إلى الحُظوةِ عندَ الخائضينَ في غَمراتِ الدنّيا والتسميّ بينَ ظهرَانيهم بالفاضلِ والتلقبِ بالبارعِ وذريعةً إلى ما نزعَ هوَ يدهُ منهُ وتابَ التوبةَ النّصوحَ مِنَ الرجوعِ إليه أو يرجعَ اللّبنُ
1 / 10
في الضّرْعِ وحينَ أتاحَ الله لَهُ الصّحةَ التي لا يُطاقُ شكرُها وألطفَ له في الوفاءِ بما عهِدَ. والضّمانِ الذي لا يخيسنَّ به إلا ظالمُ نفسهِ انتدبَ للرجوع إلى رئاسِ عملهِ في إنشاءِ المقاماتِ حتى تمّمَها خمسين مقامةً يعظُ فيها نفسهُ وينهاها أن تركنَ إلى ديدنها الأوّل بفكرٍ فيه وذكرٍ لهُ إلا على سبيلِ التندمِ والتحسرِ ويأمرُها أن تلَجَّ في الاستقامةِ على الطريقةِ المُثلى وإلقاءِ الشراشرِ على ما يقتضيهِ ما أبرمَه منَ الميثاقِ وأكدّه منَ العقدِ فِعلَ الحازمِ الذي استثناهُ الله في عقلهِ وفضلهِ وجدّهِ وثباتهِ. منْ كثيرٍ من الناسِ ولم يأتلِ فيما يعودُ على مُقتبسيها بجليلِ النّفعِ وعظيمِ الجَدوَى. في بابي العِلمِ والتقوى. منَ انتقاءِ ألفاظِها. إحكامِ أسجاعها
1 / 11
وتفويفِ نسجِها. وإبداعِ نظمِها. وإيداعِها المعاني التي تزيدُ المُستبصرَ في دينِ الله استبصارًا. والمُعتبرَ من أولي الألبابِ اعتبارًا. والله يسألُ أن يُلقيَ عليها قُبولًا من القُلوبِ ويرزُقَها مَيلًا منَ النفوسِ وإنصاتًا من الأسماعِ وتَسييرًا في البلادِ وأن يستنطقَ ألسنِةَ منْ طرأتْ عليه من أفاضل المسلمين بالدعوةِ الطّيبةِ لمُنشئها والتَرحمِ على مقتضبِها والله تعالى مرَجوّ الإجابةْ. لمنْ يسألهُ منْ أهل الإنابةْ.
1 / 12
مقامة المراشد
يا أبا القاسمِ إنَّ خِصالَ الخيرِ كتّفاحِ لبنانْ.
1 / 13
كيفَ ما قلبّتها دعتكَ إلى نفسِها. وإنَّ خصالَ السوءِ كحسَكِ السّعدانِ أنّى وجهّتها نهتْكَ عنْ مسّها. فعليكَ بالخيرِ إن أردتَ الرُفولَ في مطارفِ العزّ الأقعسْ وإياكَ والشرّ فإنَّ صاحبَهُ
1 / 14
ملتفٌ في أطمارِ الأذلِّ الأتعسْ. أقبلْ على نفسكَ فسُمها النظرَ في العواقبْ. وبصّرْها عاقبةَ الحذر المُراقبْ. وناغِها بالتذكرةِ الهادية إلى المَراشدْ. ونادها إلى
1 / 15
العمل الرّافعِ والكلمِ الصاعدْ. وألجِمها عمّا يكلمُ دينها. ويثلمُ يقينها. وحاسبها قبلَ أن ْتحاسَبْ وعاتبْها قبل أن تُعاتب. وأخلصِ اليقينَ. وخالصِ المتّقينْ. وامشِ في جادَّة الهادينَ الدَّالينْ. وخالفْ عنْ بُنيّاتِ طرُقِ العادينَ الضالينْ. واعلمْ أنَّ الحاملَ على الضلالْ. صِل اصلالْ. لسعتُهُ لا ينفعُكَ منها الرّقي. إلا إذا كانت رُقيتك التقى. سَقى الله أصداءَ قومٍ هفَوْا ثم انتعشوا. وجدوُّا فيما أجدَى عليهمْ وانكمشوا ويحكَ إخلطْ نفسك بغمارهمْ. واحملهْا
1 / 16
على شقِّ غُبارهم. فعسيتَ بفضلِ الله تنجو. وتفوزُ ببعضِ ما ترْجو.
مقامة التقوى
يا أبا القاسم العمرُ قصيرْ. وإلى الله المصيرْ. فما هذا التقصيرْ. إنَّ زبِرجَ الدٌّنيا قد أضلّك. وشيطانَ الشهوةِ قد استزلّكَ. لو كنتَ كما تدَّعي من أهل اللبِ والحِجى. لأتيتَ بما هو أحرَى بكَ وأحجى. ألا إنَّ الأحجى بك أن
1 / 17
تلوذَ بالرّكنِ الأقوَى. ولا رُكنَ أقوَى من ركنِ التقوى. الطرقُ شتى فاخترْ منها منهَجًا يهديكْ. ولا تخطُ قدماكَ في مضلةٍ ترديكْ. ألجادَّة بيّنةٌ. والمحجّةُ نيرةٌ. والحجةُ متّضحةْ. والشبهةُ متفضحةْ. ووجوهُ الدلالةِ وضاءٌ. والحنيفيةُ نقيّةٌ بيضاءُ. والحقُّ قد رُفعتْ ستورهْ. وتبلّج فسطعَ نورهْ فلِمَ تغالطُ نفسَكْ. ولمَ تكابرُ حِسّك.
1 / 18
ليت َشِعري ما هذا التواني. والمواعظُ سيرُ السّواني.
مقامة الرضوان
يا أبا القاسم أجلٌ مكتوبْ. وأملٌ مكذوبْ. وعملٌ خيرُهُ يقطرُ وشرهُ يسيلْ. وما أكثرَ خطأهُ وصوابهُ قليلْ. أنتَ بينَ أمرينِ لذَّةِ ساعةٍ بعدَها قرعُ السنِّ والسقوطُ في اليدْ. ومشقّة ساعةٍ يتلُوهَا الرضوانُ وغبطةُ الأبدْ. فما
1 / 19
عُذركَ في أنْ ترقلَ كلَّ هذا الإرقالِ إلى الشقاءِ وطولِ الحرمانْ. وأنْ تغذَّ كلَّ هذا الإغذاذِ إلى النارِ وغضبِ الرحمنْ. وأينَ علتكَ في أن تشرُدَ شرادَ الظليمْ. عن رضوانِ الله ودارِ النعيمْ. هيهاتَ لا عذرَ ولا علّة إلا أنَّ عاجلًا حَداك حبُّه على إيثارهْ. ودعاكَ داعي الشهوةِ إلى اختيارهِ. ألا إنَّ تمامَ الشقْوةْ أن تقعُد أسيرَ الشهوةْ.
1 / 20
أيها العاقل ُلا يعجبنّك هذا الماءُ والرَّونقْ. فإنهُ صفوٌ مخبوٌ تحتهُ الرَّنق. ولا يغرَّنكَ هذا الرواءُ المونق. فوراءهُ البلاءُ الموبقْ. سبحانَ الله. أيَّ جوهرةٍ كريمةٍ أوليتْ. وبأيّ لؤلؤةٍ يتيمةٍ حليّتْ. وهي عقلكَ ليَعقلك. وحجُركْ ليحجرك. ونهيُتك لتنهاكَ وأنتَ كالخلو العاطلْ. لفرط تسرعكَ إلى الباطلْ.
1 / 21
مقامة الإرعواء
يا أبا القاسم شهوتكَ يقظَى فأنِمها. وشبابكَ فرصةٌ فاغتنْمها. قبل أن تقولَ قد شابَ القذالْ. وسكتَ العذّالْ. أكففْ قليلًا منْ غربِ شطارتكْ. وانتهِ عنْ بعضِ شرارتكَ. حينَ عيدانُ نشاطَكَ تخفق. وألسنةُ عذّالكَ تنطقْ. وعيونُ الغواني. إليكَ رواني وعوُدكَ
1 / 22
ريّانْ. وظِلكَ فينانْ. وخطية قدّكَ عسّالة. وفي عمرو قوَّتكَ بسالةْ. ثمَّ إياكَ أن تنزلَ على طاعةِ هواكَ في الاستنامةِ إلى الشيطانِ وخطراتهِ. والرُّكونِ إلى اتباعِ خطواتهِ. فإنَّ منْ تسويلاتهِ لك. وتخييلاته إليك. أنْ لاتَ حين ارعواءْ. وأينَ عنكَ زمانُ الانتهاء. على
1 / 23
رسلكَ حتى ينحنيَ غصنُ القامة ويبرُقَ ضلعُ الهامةْ. وترى التنومةَ ثغامةْ. فأمّا وميعةُ الشبيبةِ معكْ. فإن صاحَ بكَ واعظٌ فلا أسمعكْ. هذهِ حبائلهُ ومصايدهُ. وحيلهُ ومكايدهُ. والعجبُ من نفسكَ أنها تستلذ الوقوعُ فيها. وإنْ لم ترْجُ الخلاصَ منها.
1 / 24
مقامة الزاد
يا أبا القاسم اتركِ الدُّنيا قبلَ أن تتركَكْ. وافرَكها قبلَ أنْ تفركَك. طلِّقِ القائلةَ بملءِ فيها أنا غدَّارةٌ غرَّارةْ. ختّالةٌ ختّارة. وما الفائِل رأيهُ إلا مَن رآني
1 / 25