خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام
عبد الله بن عبد العزيز العنقري
كم يحار العاقل حين يقف على ممارسات مضللة في مشرقنا الإسلامي تتميز بأنها مكشوفة، لا تنطلي على من أمعن النظر فيها، لا لمصادمتها للجوانب العلمية فحسب، بل لمصادمتها للواقع الذي يراه كل ذي عينين لم يصبهما الغبش.
ومن أسوأ هذه الممارسات ما انتدب إليه فئام نصبوا أنفسهم وكلاء بالقوة عن عدد من التيارات المعاصرة ذات المناحي الفلسفية المكشوفة والرموز العالمية المشهورة، ليقربوا شقة الخلاف بينها وبين الإسلام، بل ويعلنوا بلا تردد أن الإسلام - في شموخه وعليائه وعظمة مصادره - متماش تماما مع تلك التيارات التائهة، مع أن تلك التيارات - في كتبها ومقالاتها، وجميع مؤتمراتها وملتقياتها عبر تاريخها الطويل - قد حددت حقيقة موقفها من الكون والحياة والإنسان، بما يبرهن على بطلان ادعاء قرب ما بينها وبين أي دين، لأنها قد قامت في أصل فلسفتها على ضرورة إقصاء الدين عن الحياة وإزالة سلطانه عنها بالكلية، وتنشئة إنسان غير مكترث بتاتا بأمر الإيمان بالله، ليتجه بكل طاقاته إلى أمرحياته المادية الصرفة، ولا سر يفشى بهذا، لأن ظروف نشأة التيارات التي نتحدث عنها - بوضعها الماثل أمامنا - معروفة تاريخيا، من جهة نشأتها على خلفية صراع طويل مرير بين المتسلطين من رجالات الكنيسة وبين خصومهم في أوروبا، مما مهد هناك لظهور تيارات جعلت من أولويات مهامها إقصاء أي دين عن طريقها، فنشأتها - بلا ريب - نشأة مضطربة قلقة، وفي إثر صراع متهور ولد رغبة متزايدة في انتهاج مسلك ردة الفعل ضد كل دين، وبخاصة بعد انتصار الثورة الفرنسية التي حاربت الدين بكل عنف.
والبراهين الدالة على هذا أوسع من أن يحاط بها، سواء من واقع التاريخ الأوروبي أو الشواهد المقررة لذلك في أدبيات رموز هذه التيارات ومنظريها.
ومع كل هذا ظل الترويج لهذه التيارات - داخل أمتنا - يمارس أسلوب التضليل في عرضها، وبطريقة لا يرتضيها حتى منظرو تلك التيارات الذين صدروها، إذ أخذ المروجون لها على عواتقهم أن يعرضوها بصورة تخالف حقيقتها التي هي عليها.
ومن هنا أقحم الإسلام في أكثر من تيار وفد إلى الأمة من الشرق أو الغرب، لا بدعوى عدم التعارض بين ذاك التيار وبين الإسلام فحسب، بل بدعوى الالتقاء التام، فلذا روجوا لأسماء مهجنة، كاسم: (اشتراكية الإسلام) و (ديمقراطية الإسلام) و (ليبرالية الإسلام) وأمثالها من الأسماء التي يصدق عليها قول الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يمان
وقد تصدى لمهمة المزج المزورة ثلة برزت مشاريعها المضللة بقوة في القرن الماضي، وانتهجت سلوك مسارين متوازيين في هذا السبيل.
الأول: يعتمد إخفاء جوانب خطيرة تجلي حقيقة هذه التيارات الوافدة، ولذا عرضوها بأسلوب يراعي طمس ما يوضح أهم ما فيها، من أسسها الحقيقية المبنية على ما قرره أساتذة كل تيار، من الجانب المؤكد على إقصاء الدين عن الحياة، وربما المعلن حربه عليه .
الثاني: العمل - بعد ذلك - على تقريب أو دمج ما بين الإسلام وبين التيار المختار، من خلال التركيز على مصطلحات عامة، كالحرية والإخاء والعدالة والمساواة، والدفع بأن هذه الأمور مشتركة بين دين الله وبين التيار المروج له، رغم التفاوت الهائل بين الوجهة الشرعية حيال هذه المصطلحات وبين ما تقرره بشأنها جميع التيارات التي رفعتها بلا استثناء.
صفحہ 62