[76 ظ] ان الغرض في هذا القول ان نبين ان ما بينه ارسطو في أول المقالة السابعة من ان كل متحرك له محرك ، وما بينه من ذلك أيضا في المقالة الثامنة ، مطلوبان اثنان كل واحد منهما استدعى بيانا خاصا به، وانه ليس ما يثبته في ذلك في احد الموضعين فضل، وبخاصة ما تبين في أول السابعة. وكذلك ما بين أيضا في السابعة من ان كل متحرك في المكان عن محرك من خارج ينتهي الأمر في ذلك الى محرك من تلقائه ، وما بينه من ذلك أيضا في الثامنة ليس احدهما فضلا، بل كل بيان خاص بموضعه فنقول : ان أرسطو لما حد الطبيعة في المقالة الثانية من هذا الكتاب بأنها مبدأ في الشيء به يتحرك ويسكن أولا وبالذات ، واستعمل اسم التحرك والسكون في هذا على اصناف التغيرات الاربعة، اعني : النقلة في المكان، والنمو والاضمحلال، والاستحالة، والكون والفساد، وكذلك استعمل المبدأ عاما لما كان يفسد أو غير يفسد أو عقلا، وكان هذا الحد بينا بنفسه هاهنا وخاصا بالأمور الطبيعية، لانه من المعلوم بنفسه انا نرى الأمور الطبيعية [77 و] تتغير من ذاتها لا من أمر خارج كالحال في الأمور الصناعية < والطبيعية >، وكان هذا الحد اما في الأمور المتكونة فبين بنفسه، وذلك [أن المكون معلوم انه لا يدون ذاته] ، وكذلك المستحيل معلوم بنفسه انه لا يحيل ذاته. فاما الشيء المنتقل في المكان من ذاته فانه وجده ضربان . ضرب يتحرك من مبدإ فيه يسمى نفسا، وهذا بين مغايرة المحرك فيه للمتحرك ، وهذا المبذأ هو في النبات والحيوان وهو في الحيوان أظهر منه في النبات، وان كان قد يعرض في هذا المبدأ شك، وهو : هل يحرك ذاته فيكون هاهنا محرك يحرك ذاته ولا يحركه غيره، وانما لحق هذا الشك من قبل { انه يظن } ان كل محرك متحرك. فاذا انزل هذا لزم ان يكون الأمر في المحركين يمر الى غير نهاية ولا يكون هنالك محرك أول، وذلك مستحيل. أو ينتهي الأمر في أمثال المحركين المتحركين إلى شيء يحرك ذاته. وان كان ذلك كذلك لزم ان يكون تحريك الشيء غيره بالغرض، فتكلف أرسطو لمكان هذا ان يبين ان كل شيء يتحرك فله محرك، وان المحرك الأول يجب ان لا يتحرك . ولما كان أيضا { هذا المعنى } يلحقه الشك في الأجسام غير المتنفسة المنتقلة في المكان، مثل الاسطقسات الاربعة البسيطة، فحص أيضا هل المبادئ التي تتحرك بها هي ذواتها أم شيء زائد على ذاتها، وذلك في أول السابعة ، بالفحص الذي يخصها، فبين انها مؤلفة من محرك ومتحرك، ووضع في ذلك مقدمات بينة في نفسها : احداها : انه إن كان هاهنا شيء يتحرك من ذاته فانه يسكن من ذاته، ثم انزل مقدمة أخرى وهي أنه ان كان هاهنا شيء { يتحرك بتحرك غيره فانه } يسكن بسكون غيره فيتولد له من هاتين المقدمتين : انه ان كان هاهنا شيء يتحرك من ذاته فليس يسكن بسكون غيره، ولزم عن هذا عكس نقيضه، وهو : ان كان هاهنا شيء يسكن بسكون غيره فانه يتحرك [77 ظ] عن غيره. فلما صحت له هذه المقدمة وهو أن ما يسكن بسكون غيره فهو يتحرك عن غيره، اضاف إليها ما تبين في السادسة من ان كل متحرك جسم. ولما وضع هذا وكان قد تبين ان كل جسم منقسم إلى ما ينقسم دائما ، وضع أيضا مقدمة معروفة بنفسها وهي : ان كل جسم اما ان يكون متحركا أو لا، أي لا يتحرك من قبل جزء فيه متحرك من ذاته، واما ان يكون يتحرك من قبل جزء أول، وصحت له هذه المقدمة من قبل ان كل جسم طبيعي قدر كميته محدود بالصغر والكبر لا يمكن ان يوجد منه جسم في ذلك النوع أصغر منه ولا أكثر منه. فلما صح له ان كل جسم اما ان يكون متحركا أولا، أي لا يتحرك من قبل جزء منه هو متحرك من ذاته اما { أول } واما متحرك أول، واضاف الى هذه المقدمات مقدمة اخرى معروفة بنفسها وهي ان كل متحرك أول اذا انزل ان جزءا منه قد سكن سكن الباقي لانه لو تحرك الباقي لم يكن ما وضع انه اول أولا لانه كان يتحرك في حال تحركه انما يتحرك من قبل جزء منه . ولما صحت له هذه المقدمات انتج من ذلك ان كل جسم فهو متحرك عن غيره وذلك هكذا : كل جسم متحرك فهو اما أول واما فيه اول. وكل ما فيه أول أو هو أول فانه اذا أنزل جزء من الأول ساكنا سكن الباقي، وكل ما هو بهذه الصفة فهو يسكن بسكون غيره، وكل ما يسكن بسكون غيره فهو متحرك عن غيره، فيلزم عن ذلك ضرورة ان كل جسم فهو متحرك عن غيره . واذا كان ذلك كذلك فالمتحرك من ذاته هو ضرورة مؤلف من محرك ليس بجسم ومن متحرك هو جسم. ولما صح له ان المتحرك من ذاته لا من قبل جسم خارج عنه هو بهذه الصفة، أخذ يطلب هل يلزم في الأجسام المتحركة في المكان، اعني التي يحرك [78 و] بعضها بعضا، ان تنتهي الى متحرك من ذاته ام يمكن ان يمر الى غير نهاية، فوضع اجساما متحركة في المكان، الا خير منها [يتحرك] بحركة جسم آخر خارج عنه، وذلك الثاني بحركة ثالث، والثالث بحركة جسم آخر خارج عنه رابع . ثم طلب هل يصح في امثال هذه المحركات المتحركات ان تمر الى غير نهاية ام لا يصح ذلك فيها، فوضع انه يجب في امثال هذه الأجسام المحركة بعضها بعضا ان تكون موجودة محركة متحركة معا، اعني بعضها بعضا، أي يكون المحرك منها موجودا متحركا في الوقت الذي يتحرك عنه المتحرك، لانه متى سكن المحرك منها سكن المتحرك، وان يكون بعضها يماس بعضا. فلما انزل هذا لزم أن يأتي منها عظم واحد بالتماس غير متناه، وان يكون يتحرك معا. ولما كانت الحركة أعظم من العظم المتحرك بها، وكان العظم الواحد المتحرك هذه الحركة المؤلف من أعظام غير متناهية غير متناه، لزم ان تكون الحركة التي يتحركها غير متناهية. فاذا انزل هذا العظم غير المتناه متحركا وقتا ما، لزم ان تكون حركته غير متناهية في زمن متناه وذلك محال، على ما تبين في السادسة ، فوجب ان تكون امثال هذه الأجسام المحركة المتحركة ترتقي الى جسم متحرك من ذاته . ولما كان قد تبرهن ان كل متحرك يتحرك عن محرك بالبرهان المتقدم، وجب ان يكون المتحرك الأول مؤلفا من محرك ليس بجسم ومن متحرك هو جسم، لانه متى انزلنا المحرك له جسما لزم ان يكون الجسم الذي فرض أولا متحركا من ذاته اي بمبدإ فيه لا من خارج. فلما صح له ان الحركة في المكان يجب ان ترتقي في المكان الى متحرك بمبدإ فيه ليس فيه جسما ، شرع في أول الثامنة يفحص عن هذه الحركة الأولى التي يتحركها المتحرك الأول عن المحرك الأول [78 ظ] هل يمكن فيها ان تكون حادثة أم لا . ولما كان قد قيل في حد الحركة انها كمال المتحرك وجب ان تكون هذه الحركة الأولى هي كمال المتحرك أول ومحرك أول ليس قبل هذا المحرك محرك آخر ولا قبل هذا المتحرك متحرك آخر. ولما كان هذا هكذا وجب ان يكون المتحرك بهذه الحركة ازليا ، لانه ان كان كائنا كان قبل الحركة الأولى حركة ، لان الكون حركة أو تابع لحركة، فيلزم المحال وهو : ان ما فرض من ان هذه الحركة أولى لا تكون أولى. فلما صح له ان المتحرك بالحركة الأولى ازلي طلب هل يمكن في مثل هذا المتحرك بالحركة الأولى ان يتحرك حينا ويسكن حينا. ولما كان كل متحرك بعد السكون فقبله حركة هي التي أوجبت له ان يكون متحركا في وقت ابتداء الحركة بعد ان كان ساكنا، ولذلك ليس يمكن ان توجد حركة حادثة ليس قبلها حركة ، إذ كل حركة انما تحدث عن محرك. وإذا كان ذلك كذلك فمتى انزل هذا المتحرك الأزلي متحركا بعد سكون لزم الا يكون متحركا اولا ولا حركته حركة اولى ولا محركه محرك أول، وذلك كله خلاف ما وضع . ومتى انزلت حركة حادثة من غير ان تتقدمها حركة لزم ان توجد حركة من غير محرك حادث التحريك. واذا انزل محرك حادث التحريك لزم ان تكون قبله حركة توجب { ان يكون } المتحرك الأزلي بالحركة الأولى (و) عن المحرك الأول الأزلي التحريك ولابد . وانزال المتكلمين من أهل ملتنا ان المحرك بارادة يمكن ان يحرك حركة اولى ليس قبلها حركة لا في ذاته ولا في المتحرك عنه انزال مستحيل، فانه سيبين من أمر المتحرك من ذاته بعد السكون انه ليس يتحرك بعد السكون الا وقد تقدمت حركة أخرى اما في جسمه واما في نفسه . وينبغي أن تعلم ان الذي سلكناه في اثبات أزلية الحركة هي طريقة أرسطو في أول [79 و] المقالة الثامنة ، { لا الطريقة التي فهمها عنه يوحنا النحوي، وهي بعينها الطريقة التي فهمها عنه أبو نصر في كتابه في «الموجودات المتغيرة» ، ولذلك تشعب عليه الفحص في ذلك الكتاب في اثباته حركة ازلية، وذلك انه فهم عن أرسطو في أول المقالة الثامنة } انه انما سلك في بيان ذلك ان القوة على الحركة تتقدم الحركة بالزمان ، وذلك ان ذلك الشيء القوي ان فرض متحركا بحركة حادثة لزم ان تتقدمه قوة على تلك الحركة. وبالجملة فلا يمكن ان نضع حركة ابتدأت إلا وقبلها حركة، وهذا لازم ضرورة عن وضع حركة أزلية لا ان ذلك { أمر } لازم من طبيعة الحركة، بل ذلك أمر عارض لها من قبل ان هاهنا حركة أزلية، وذلك انا لو انزلنا { ان } هذا للحركة بالذات للزم ان توجد محركات بعضها من بعض من غير ان يكون لها مبدأ كما يقول أرسطو في الثلاثة : انه لو كان قبل الحركة الحادثة حركة، اعني كان يكون حدوثها تابعا لحركة أخرى بالذات وتلك الأخرى تابعة لحركة أخرى حتى يمر الأمر الى غير نهاية، للزم الا توجد الحركة الأخيرة الا بعد انقضاء حركات لا نهاية لها، وإذا لم يوجد الأول لم يوجد الأخير البتة . وهذا هو الذي ظنه افلاطون ومن تبعه من القائلين بقوله فظنوا انه غير ممكن ان تكون كل حركة قبلها حركة. وما ظنوه من ذلك صحيح إذا وضع بالذات، وكاذب إذا وضع ذلك بالعرض ، كما تبين في أول هذه المقالة التي ذكرناها . ولما أخذ هاهنا ما بالعرض على أنه بالذات عرضت في هذه المسألة شكوك وحيرة عسر الا نفصال عنها بين الخصوم . وذلك ان من سلم وجود متحرك أزلي لزم ان تكون حركته أزلية، ومن انزل ان هاهنا حركة ازلية لزمه ان تكون هاهنا حركات لا أول لها، فاذا انزل هذا بالعرض انحلت الشكوك. ولذلك اضطر أبو نصر في كتابه في «الموجودات المتغيرة» ان يفحص عن جميع الأنواع التي توجد فيها حركة بعد حركة ليبين الجائز منها من المستحيل فتشعب عليه الكلام. لانه ظن ان ارسطو انما يحدد الحركة في أول الثامنة [79 ظ] ليبين ان القوة على الحركة متقدمة على الحركة بالزمان، وهذا ظاهر من أمر كل حادث سواء كان الحادث حركة أو متحركا. ولذلك لما ظن يوحنا النحوي ان هذه الطريقة هي طريقة أرسطو في اثبات ان هاهنا حركة ازلية عانده بحركة الأربع الاسطقسات من ذاتها، وذلك انه يظهر من حركات هذه الاسطقسات في المكان انه ليس يتقدمها القوة الا اذا قسرت على أنها لاتتحرك . ولما { سلم } أبو نصر ان هذه الطريقة { هي الطريقة } التي ظنها يوحنا النحوي بارسطو في اثبات ان هاهنا حركة أزلية، عانده بأن القوة التي تتقدم هذه الحركة هي القوة التي توجد في الجسم الذي تتكون منه هذه الأجسام . وأرسطو انما أتى بحد الحركة ليبين منه ان كل حركة في متحرك، وهذا لازم خاص بحد الحركة واما ما ظنه القوم فليس بلازم خاص من حد الحركة، لان القوة تتقدم الحركة وتتقدم المتحرك . واذ قد تبين هذا فلنرجع الى النظام الذي سلكه في هذه المقالة فنقول : انه لما انتهى بالبرهان الذي ذكرناه الى وجود حركة ازلية من قبل وجوب وضع حركة أولى للمتحركات في المكان بين ذلك ايضا من قبل الزمان ، وبيانه في ذلك لائح، ثم اتى بالشكوك الواردة على وضعه من انه يمكن ان يوضع شيء يتحرك بحركة محدثة من غير ان تتقدمه حركة، وهو ما يظهر هنا من أمر الحيوانات، فانه يظن من أمرها انها تتحرك بعد سكون تام وانه لا يتقدم حركتها في المكان حركة، ولما صار الى هذا الموضع رأى ان الأفضل في بيان هذا المطلوب ان يفحص عن كيفية جميع الموجودات في الحركة والسكون، فبين انه ليس يمكن ان تكون كلها متحركة، ولا كلها ساكنة، ولا تنقسم الى قسمين فقط حتى يكون بعضها متحركة أبدا وبعضها ساكنة [80 و] أبدأ بدليل انه قد نرى اشياء منها تتحرك حينا وتسكن حينا، فبقي الطلب هل كلها بهذه الصفة، اعني تتحرك حينا وتسكن حينا، أم فيها ما يتحرك حينا ويسكن حينا، وفيها ما يتحرك دائما ويسكن دائما . ولما قصد الفحص عن هذا الجنس أخذ يتقصى كيف الأمر في حركة الثقيل والخفيف، وذلك انه قد كان تبين في اول السابعة انه ليس يوجد متحرك من ذاته، أي على ان يكون المحرك منه هو المتحرك نفسه، وكان ايضا في حركة الثقيل والخفيف شك هل هما أولى ان ينسبا الى المتحركات من محركت من خارج أم هما اولى ان ينسبا الى المتحركات من تلقائها بمبادئ فيها كالحال في الحيوان، وكان التشكيك فيهما صروريا لنترقي من ذلك كيف الأمر في المتحرك الأول بذاته، هل هو من جنس المتحركات بالطبع أعني بمنزلة الخفيف والثقيل أم هو من جنس المتحركات بذواتها من ذوات الانفس، فابتدأ يفحص عن هذا المعنى من أمر الثقيل والخفيف فبين من أمرهما انهما أحق ان ينسبا الى المتحركات التي تتحرك عن أشياء من خارج من ان ينسبا الى المتحركات من ذواتها، فانحل له الشك المتقدم في هذين، وصح انهما يتحركان عن الغير، وانه لا يمكن ان يكون المتحرك الأول من طبيعة هذين . ولما لم يفهم قوم من المفسرين هذا الغرض ظنوا ان ما تبين هاهنا من أمر الثقيل والخفيف، وهو انهما يتحركان عن محرك هو غيرهما، كافيا على ما تبين في أول السابعة، وهنالك انما يظهر فيهما من حيث هما متحركان من ذاتيهما، وعلى ذلك انبنى البرهان المتقدم في أمر الحركة الأزلية والمحرك الأزلى. وهنا انما يظهر فيهما من حيث هما متحركان بالذات، وهو كونهما عن محرك من خارج، وان كونهما متحركين من ذاتيهما [80 ظ] هو لهما بالعرض، وان الذي لهما بالذات ان يتحركا عن ما من خارج ، وانه لمكان هذا ليس يمكن ان يوضع المتحرك الأول متحركا بمبدإ فيه طبيعي شبه المبادئ التي في هذه، لان هذه يظهر من أمرها، كما بينه ارسطو، انها لا تتحرك من ذواتها إذا تكونت في أماكنها الطبيعية، وانها إذا تكونت في مواضع خارجة فانه كلما حصل منها جزء من الصروة حصل لها جزء من المكان، حتى إذا تم كونها حصلت في اماكنها الطبيعية، الا ان يكون هنالك عائق يعوقها، ولكن إذا زال تحركت الى أماكنها، فحركتها في هذه الحال بذواتها هو بالعرض، لان الماسك لها عن الحركة هو امر عارض . ولما تبين له ان هذا، اعني الثقيل والخفيف، انما هو متحرك من ذاته بطريق العرض، صح له انه متحرك بذاته عن محرك من خارج. وايضا لو كان له ان يتحرك من ذاته لكان له ان يسكن من ذاته، كالحال في المتحركات التي هاهنا من تلقائها وهي ذوات النفوس. فلما صح له ان الأجسام المحركة المتحركة بعضها قد يمكن ان ينتهي الى مثل هذا المتحرك من ذاته، بحسب البرهان الذي كتب في أول السابعة، وهو انه اذا لم تنته الى متحرك من تلقائه ووجد عظم غير متناه متحرك حركة غير متناهية في زمان متناه. مثال ذلك ان السفينة قد يحركها الموج، والموج والريح، والريح متحركة من ذاتها بالعرض، وعما من خارج بالذات. فتكون امثال هذه المتحركات المحركات ترتقي الى محرك من جنس الثقيل والخفيف. وايضا قي يمكن ان نضع ان الأخير كونه أول وعندما { تكون } ذلك الأخير بحركة من ذاته فسد المحرك الذي قبله، اعني الأول. وننزل ثالثا حاله من الثاني مثل حال الثاني من المتكون الأخير، ويمر ذلك الى غير نهاية، مثل تكون [81 و] الانسان عن انسان، فامثال هذه المتحركات يظن بها انها ترتقي الى محرك أول، فاحتاج الا يكتفي في ارتقاء المتحركات في المكان الى متحرك من تلقائه بالبرهان الذي كتبه في السابعة فسلك في ذلك طريقا من البرهان غير الطريق التي سلكها في السابعة، وهو انه اذا فرض امثال هذه المحركات المتحركات بعضها بعضا ليست توجد معا عند تحريك بعضها بعضا انه اذا انزلت غير متناهية وانزلت هكذا بالذات، اي { من } غير ان يعرض لها ذلك عن محرك أزلي من تلقائه، لكن اذا فرض الآخر هكذا لم يكن هنالك محرك أول، واذا لم يكن هنالك { أول لم يكن } أخير. وذلك ان ما لا اول له لا اخير له، ولو وجد اخير في مثل هذه لما وجد حتى ينقضي ما لا نهاية له، وذلك مستحيل . فلما تبين له ان جميع المتحركات يجب ان ترتقي الى متحرك من تلقائه، ولما كان السبب في سكون المتحركات من تلقائها حينا وحركتها حينا أن ذلك شيء تابع لحركات تتولد عنها اما في أجسامها واما في نفوسها، وكان المحرك الأول للجميع قد تبين من أمره انه غير متحرك، وكان المتحرك الأول لكون الحركة الصادرة عنه ازلية، وجب ان يكون المتحرك الأول من تلقائه المؤلف من محرك ومتحرك ليس متغيرا لا من قبل عظمه ولا من قبل نفسه . ولما كان سبب تغير أعظام المتحركات من تلقائها التي هاهنا اما أجسادها فمن قبل أنها مركبة من صورة ، واما القوى المحركة التي فيها فانما وجدت لها الحركة بالعرض اذا لم تكن أجساما من قبل انها قائمة في أجسام ليس يمكن لها وجود دونها ، وجب ان يكون المتحرك الأول بسيطا، لانه ان كان المركب يقبل التغير فواجب بحسب عكس النقيض ان يكون ما لا يقبل التغير بسيطا. ولذلك ما يقول ابقراط لو كان الانسان شيئا واحدا [81 ظ] لما كان يئلم . ولما كان المحرك الأول قد ظهر من امره انه غير قائم بالمتحرك عنه، لانه لو كان قائما بالمتحرك الأول عنه كالحال في أنفس الحيوان هاهنا لما كان المتحرك الأول عنه بسيطا، ولا كان هو أول محرك، فلزم ولابد ان يكون المحرك الأول والمتحرك الأول بسيطين. واذا انزلنا ان هاهنا محركا ومتحركا بهذه الصفة لم يكف في بيان ان كل متحرك فانما يتحرك عن محرك هو غيره البراهين المتقدمة. وذلك ان تلك البراهين انما قدمت على المتحركات المركبة وعلى المتحركات التي قوامها في موضوع، وذلك بين مما كتب في أول السابعة ، لان الشك انما كان في الاسطقسات، وبين ايضا مما كتب في الثمانة قبل الانتهاء الى هذا الموضع من ان الثقيل والخفيف انما يتحركان عن محرك من خارج، وان ذوات الأنفس الأمرفيها بين، ثم انزل عن هدا الاستقراء ان كل متحرك له محرك من غير ان يعتبر في ذلك المتحرك البسيط، فلما كان هذا كله عاد ارسطو من رأس فاحتاج ان يبين انه لا يوجد جسم لا بسيط ولا مركب يكون المتحرك { منه } هو المحرك نفسه ، فقال : ان المتحرك الأول يلزم ضرورة فيه اما ان يتحرك عن ساكن واما ان يتحرك من ذاته اي يكون المحرك فيه هو المتحرك . قال : وذلك انه ان وضع احد ان هاهنا أولا فهو أولى ان يكون متحركا من نفسه من ان يكون متحركا من غيره، لان المتحرك من ذاته ان كان موجودا أولى بالازلية . فابتدأ يفحص هل يمكن ان يوجد جسم من الأجسام بسيطا كان أو مركبا يكون المحرك فيه هو المتحرك، فالزم عن هذا الوضع [82 و] جميع المحالات التي ذكرها في هذه المقالة ، وهي كلها يلزم فيها أن يكون المحرك غير المتحرك . ولما لم يكن في البراهين التي تقدمت كفاية فيما وضع هاهنا من أن المتحرك { الأول } جسم بسيط، وذلك ان البرهان الذي قيل في اول السابعة انما كان مبناه على أجسام مركبة من صورة ومادة، والبرهان الذي تقدم قبل انما كان مبناه على الاستقراء الحاصل عن الأجسام المحسوسة التي هاهنا المتحركة ذوات النفوس والثقيلة والخفيفة ولم يكن بعد تبين ان هاهنا جسما بسيطا غير مركب. فلهذا ابتدأ هاهنا من رأس المطلب (هذا المطلب) فبين بقول كلي انه ليس يمكن أن يحرك شيء ذاته لانه يكون المحرك محركا من جهة ماهو متحرك وموجود أو من حيث هو معدوم . ولما تم تصحيح هذه المقدمة وأبطال نقيضها على جميع الانحاء التي يمكن فيها ان تتصور ان شيئا محركا ذاته ابتدأ فقال : ان المتحرك الأول لا يخلو عن أحد أمرين : أما ان يكون متحركا عما لا يتحرك . أو يكون هو محرك نفسه . قال : وذلك انه ان كان هاهنا شيء يحرك ذاته، فهو أولى ان يكون متحركا أولا من الذي هو متحرك عن غيره . ولما وضع هذا وضع أن المتحرك جسم، على ماتبين في السادسة سواء كان بسيطا أو مركبا، ثم انزل انه ان كان هذا الجسم يحرك ذاته فاما أن يكون الكل منه يحرك ذاته وذلك مستحيل لانه يكون المحرك هو نفسه المتحرك، واما أن يكون جزء منه يحرك جزءا. وهذه الأجزاء التي يحرك بعضها بعضا لا يخلو ان يحرك بعضها بعضا حركة مستقيمة أو دورا، وان كانت مستقيمة فلا يخلو أن تكون متناهية أو غير متناهية، فان كانت متناهية لزم أن توجد في [82 ظ] العظم المتناهى أعظام بالفعل غير متناهية ولم يكن ذلك متحركا اولا. وأيضا اذا لم يوجد الأول لم يوجد الأخير، وان كانت متحركة دورا عاد المحال الأول. وهو ان يكون المتحرك من غيره محركا ذاته بكليتها بنفسه، أومحرك من ذاته من قبل اجزائه، لانه يلزم في ذلك من المحال ما لزم في استحالة ان يحرك ذاته بجملته من قبل ذاته لا من قبل أجزائه. فقد استحال ان يوجد { هاهنا } جسم أصلا يحرك ذاته، بسيطا وضعناه أو مركبا ، وتم له هذا البرهان العام، أعني ان كل حركة ترتقي الى متحرك من تلقائه، وان كل متحرك من تلقائه فهو مؤلف من محرك ليس بجسم، ومن متحرك عنه يتحرك . ولما كان من الظاهر بنفسه ان هاهنا متحركات كثيرة من تلقائها تتحرك تارة وتسكن أخرى، وتوجد تارة وتعدم أخرى، وبعضها أسباب لبعض، ظهر من أمر هذه المتحركات من تلقائها ان المحركات التي فيها، اذ كانت ليست باجسام، انها متحركة بالعرض لكونها توجد تارة وتسكن تارة وتتحرك تارة. ولما كانت هذه المتحركات من تلقائها بالعرض لان محركات أخر تتقدم عليها، وجب ان يترقي كل واحد من هذه الى متحرك من تلقائه بالذات اما واحد واما أكثر من واحد. ولما كان يظهر من أمر هذه المتحركات انها سرمدية بالنوع، وان تلك لها بالعرض من قبل انه ليس لها أول هو مبدأ حركتها ، وجب ان تكون هذه السرمدية انما استفادتها من قبل متحرك من تلقائه ليس بمتغير بالعرض بضرب من ضروب التغيرات الأربعة، فيكون هذا ولابد هو المتحرك من تلقائه بالذات، وهو الذي لا تتقدمه حركة أصلا ولا محرك ولا متحرك، وهذا يمكن ان يكون واحدا وان يكون كثيرا. وان كان كثيرا فيمكن [83 و] ان يكونوا متناهين وغير متناهين، لكن كونه واحدا يظهر انه الضروري في وجود هذه المتحركات التي لدينا سرمدا، وان وجد منه أكثر من واحد فلمكان الأفضل لا لمكان الضروري، وان وجد أكثر من واحد فالأفضل ان تكون متناهية لا غير متناهية، لان التناهي يلزم عنه ما يلزم عن غير التناهي والطبيعة لا تفعل باطلا . ولما انتهى الى هذا المعنى من أمر المتحركات من تلقائها، وكان فحصه عن جميع أنواع الأشياء المتحركة والساكنة، تبين له من قبل هذا البرهان ان بعض الأشياء تتحرك حينا { وتسكن حينا }، وأن بعضها تتحرك دائما وتسكن دائما وهي التي عليها تتحرك المتحركات دائما، وذلك ان كل متحرك فلابد له من ساكن يتحرك عليه، وان هذه المتحركات حينا والساكنات حينا اذا كانت بهذه الصفة من قبل المتحرك الأول من تلقائه بالذات، لانه ليس واجبا ان يتحرك كل واحد منها دائما لانه يقرب منها تارة فيحركها ويبعد منها تارة فلا يحركها، ولذلك قيل في هذا المتحرك من تلقائه انه ليس بواجب ان يحرك، كان متحركا من ذاته بالذات أو بالعرض، فصح له من وجود المتحركات التي هاهنا سرمدا وجود متحرك من تلقائه ازلي ليس يتحرك المحرك الذي فيه لا بالذات ولا بالعرض، وان المتحرك عنه لابد أزلي، والمركب ليس بأزلي. وان المحرك الذي فيه ليس قوامه بالمتحرك عنه لانه ان كان ذلك كذلك لكان متحركا بالعرض ولم يكن أول المتحركات من تلقائها. فصح له من هذه الجهة وجود حركة أزلية من قبل وجوب متحرك من تلقائه. فالبرهان الأول برهان دليل ، اعني الذي تبين في أول الثامنة، وذلك انه تبين هنالك ان هاهنا أزليا من قبل ان هاهنا كرة ازلية، وتبين انها ازلية من كونها اولى. وهذا البرهان الذي تبين هاهنا هو برهان سبب وذلك انه تبين منه وجود حركة [83 ظ] أزلية من قبل وجود متحرك من تلقائه أزلى. فالاول هو مثل ما بين ان شكل القمر كروي من قبل تزيد نوره بشكل هلالي، والثاني مثل ما بين ان من قبل ان شكله كري كان نمو نوره بشكل هلالي . ولاشك ان هذا البرهان أفضل من الأول . ولما تبين له هذا المطلوب الشريف بهذا البرهان الشريف أخذ يطلب أي حركة هي هذه الحركة، ولما كان ظاهرا ان المتحرك من تلقائه انما يكون في الحركة في المكان، وهي الحركة التي تسمى نقلة، تبين له ان هذه الحركة هي حركة نقلية . ولما كانت حركة النقلة اما مستقيمة واما مستديرة، وكان قد تبين من أمر { المستقيمة } انها متناهية لكونها من ضد الى ضد، تبين له ان هذه يجب أن تكون مستديرة وواحدة متصلة لا متشافعة ولا متتالية ولا حركة على خط مستقيم متكررة . ولما تبين له هذا أخذ يبين أيضا بالا ستقراء ان هذه الحركة ترتقي اليها سائر انواع الحركات، وانها المتقدمة عليها بالطبع والزمان والوجود وفي شخص العالم بأسره. ولما تبين له من هذا المتحرك الأول انه ليس قوة في هيولي من قبل انه ليس متحركا بالعرض رأى أن الأفضل ان يتبين وجود هذا المعنى فيه من قبل فعله الخاص، وهو كونه متحركا حركة ذاتية، فوضع ان كل حركة دائمة غير متناهية فانما تصدرعن قوة متناهية ، ثم وضع ان هذه القوة غير المتناهية لا يخلو ان تكون في جسم أو غير جسم، اعني متقومة أو غير متقومة، ثم وضع أصلا معروفا بنفسه [وهو] ان كل قوة في جسم بسيط انها منقسمة ضرورة بانقسام الجسم. [84 و] ولما وضع هاتين المقدمتين انتج له منها ان كل قوة غير متناهية توجد في جسم فانه يلزم ان تكون في جسم غير متناه، ووجود جسم غير متناه مستحيل، فوجب ان تكون هذه القوة لا في جسم . ثم انه استعمل في ذلك براهين كثيرة على طريق الاستظهار على طريق الخلف فوضع قوة غير متناهية في جسم متناه فلزم عن ذلك محالات بينة، فيما كتبه في آخر هذه المقالة. منها ان يكون هذا الجسم قوة الكل منه قوة الجزء ومنها ان يكون هذا الجسم يتحرك في الآن. ومنها ان توجد حركة غير متناهية اعظم من حركة غير متناهية لانه اذا كانت حركة الكل أصغر من حركة الجزء، والكل والجزء يتحركان حركة غير متناهية، وجب ان تكون حركة غير متناهية أعظم من حركة غير متناهية، وهذا أحد ما قصد ان يبينه في هذه المقالة. وهو ظاهر ايضا من قبول المتحرك الأول حركة أزلية انه بسيط وانه ليس مركبا من صورة ومادة، لان المركب من صورة ومادة كائن فاسد، وليس يمكن ان [تكون] هذه الحركة موجودة أولا وبالذات ومتتالية ولا متشافعة، بل لمتحرك واحد بسيط ولم يصرح ارسطو بهذا المعنى لقوة ظهوره مما تبين من أمر هذا المتحرك انه لو كان مركبا من صورة ومادة لم يكن متحركا من تلقائه الا بالعرض، ولم يكن متحركا أولا عن المحرك الأول بوساطة محرك غيره . وقد ظن قوم أنه لما تبين من أمر هذا المتحرك الذي هو الجرم السماوي انه ازلي، وتبين من امره انه ذو نفس، انه ليس يحتاج الى محرك من خارج مفارق . وجهلوا ان وضعه مركبا من محرك ليس بجسم ومن جسم هو وضع يناقض وضعه أزليا، وذلك ان الأجسام التي بهذه الصفة هي مركبة من هيولي [84 ظ] وصورة، وكل مركب من هيولي وصورة يوجد تارة قوة وتارة فعلا فهو كائن فاسد ضرورة. وان يوضع شيئان ليس بينهما مغايرة لا بالقوة ولا بالفعل هو وضع يناقض نفسه، وهو ان ما وضع واحدا ليس بواحد، وحاجة هذا الجسم البسيط الى المحرك ليس هو ان يكون أزليا بل انما حاجته اليه ان يكون متحركا بحركة أزلية عن محركه الأزلي، اذ لا يمكن ان يكون متحركا من ذاته على ما تبين، اعني ان يكون نفس المتحرك منه هو المحرك. وظهر من هذا ان كل جسم بسيط مركب فتحريكه في الشدة متناه، ولو لم يكن ذلك كذلك لا فسدت الأجرام السماوية كل ما تحرك هاهنا من الموجودات، فصح ان كل جسم فحركته في الشدة والقوة محدودة، وانها تابعة عظمه في الكبر والصغر، وأن حركته عن محركه في السرعة والابطاء محدودة والا كانت اي محرك اتفق من المحركات المفارقة الى أي متحرك اتفق أو لم تكن هنالك نسبة، فيلزم ان تكون حركة من الآن ولذلك لزم ان يكون كل ما يتحرك عن محركه بسرعة محدودة وفي زمان محدود وألا يحرك المحرك اي متحرك اتفق ولا بأي مقدار اتفق من الحركة والا كان يحرك الكبير كما يحرك الصغير، وذلك مستحيل . فهذا جملة ما بينه في هذه المقالة، وهذا هو النظام الذي سلكه ولم يفهمه كثير من الناس، فسلكوا مسالك أخر كثيرة التشعب مثل ما فعله ابو نصر في «الموجودات المتغيرة» وعسر عليهم حل الشكوك الواردة عليهم في قدم الحركة التي أخذها المتكلمون من أهل ملتنا عن افلاطون ومن تبع رأيه من أهل النظر كيوحنا النحوي وغيره . ومن فهم هذه المعاني من هذه المقالة سهل عليه حل الشكوك التي أوردوها في هذا المعنى وبخاصة يوحنا النحوي فانه أكثر في ذلك. وأقوى شك تشكك به في هذا [85 و] المعني هو ان قال : ان ارسطو وجميع اصحابه يرون ان كل جسم قوته متناهية، فكيف صار جسم السماء وهو متناهي القوة يقبل من أمر المحرك الأول قوة غير متناهية الا لو صح ان يقبل الأزلية من موجود ازلي ما شأنه ان يفسد، وقد بين ارسطو انه ليس فيه قوة على الفساد، وذلك في آخر المقالة الأولى من السماء والعالم . .والجواب ان الأجسام صنفان : بسيط ومركب، على ما تبين في هذه المقالة فاما البسيط فهو غير متناهي القوة من الوجود والبقاء اذ علة التناهي هو التركيب وهو متناه في السرعة والبطء وشدة التحرك وضعفه. أما في السرعة فلان كل حركة لا تكون الا في زمان، وقد تبرهن ذلك. واما في الشدة والضعف فلكون كل جسم متناهي العظم سواء كان بسيطا او مركبا . فأما الأجسام المركبة من مادة وصورة فهي متناهية في الأحوال الثلاثة، اعني بقاؤها وسرعتها وفعلها في الشدة والضعف . فهذا ما اردنا ان نثبته في هذه المقالة . وكان الفراغ منها باشبيلية في شهر ذي الحجة من سنة اثنين وتسعين وخمسمائة .
صفحہ 243