فقالت: «أظن أنه هو، صنداي.»
لم ينهرني أحد، بل ضحك والداي، ثم قدمت السيدة بعض الشاي الطازج وشطيرة لأبي.
ثم قالت: «سوف أترككم لكي تتحدثوا معا»، وانصرفت وتركت ثلاثتنا بمفردنا في تلك القاعة الفخمة التي يعمها الهدوء. وراح والداي يتحدثان، إلا أنني لم أعر الكثير من الانتباه لحديثهما، ومن حين لآخر كنت أقاطعهما لأخبر أمي شيئا عن الرحلة أو عما كان يدور في المنزل، وأريتها موضعا في ساقي حيث لسعتني إحدى النحلات. لم يطلب مني أي منهما التزام الهدوء؛ بل كانا يجيبانني بمرح وصبر. قالت أمي إننا سننام جميعا الليلة في غرفتها؛ فقد كانت لديها غرفة من الغرف الصغيرة الواقعة خلف الفندق، وقالت إننا سنتناول الإفطار هنا في الصباح.
وقالت إنني عندما أنتهي لا بد أن أهرع إلى الخارج وألقي نظرة على حوض الزنابق.
لا بد أنها كانت محادثة سارة؛ فقد عم أبي الارتياح، وعم أمي الانتصار، كانت قد أبلت بلاء حسنا بعد أن باعت كل ما أحضرته معها تقريبا، وكانت المغامرة ناجحة، وكان ذلك بمنزلة نجاح لها، وإنقاذ لنا جميعا. لا بد أن أبي كان يفكر فيما يجب القيام به أولا؛ إصلاح السيارة في ورشة تصليح هنا، أم المغامرة بقيادتها مرة أخرى على الطرق الخلفية واصطحابها إلى ورشة التصليح في قريتنا التي يعرف أصحابها؛ وأي فواتير يجب سدادها في الحال، وأيها يجب سداده على نحو جزئي. ولا بد أن أمي كانت تتطلع إلى المستقبل، وتفكر كيف يمكنها أن تتوسع، وما الفنادق الأخرى التي يمكنها تجربة هذا بها، وما العدد الإضافي الذي يجب أن يصنعوه من الأوشحة والقبعات في العام القادم، وما إذا كان من الممكن أن يتطور هذا المشروع إلى نشاط تجاري على مدار العام.
لم يكن بإمكانها أن تتنبأ بمدى قرب دخول الأمريكيين معترك الحرب، وكيف أن ذلك سوف يجعلهم يلزمون ديارهم، وإلى أي مدى سيتسبب ترشيد توزيع الوقود في تقليص نشاط المنتجعات الفندقية. ولم يكن بإمكانها التنبؤ بالهجمة التي سيمنى بها جسدها، ذلك الهلاك الذي يتكون بالداخل.
ظلت أمي تتحدث بعد ذلك بسنوات عما حققته في ذلك الصيف، وكيف أنها قد عرفت الطريق الصحيح للمضي فيه، دون إلحاح مبالغ فيه، وإظهار قطع الفراء وكأنها مصدر لمتعة بالغة لها وليس مسألة مادية. ويبدو أن تقديم خصم على سعر المنتجات كان آخر شيء يخطر ببالها، فكان من الضروري أن تظهر للقائمين على إدارة الفندق أنها لن تقلل من قيمة الانطباع الذي كانت ترغب في تركه لديهم، وأنها ليست بائعة متجولة، بل سيدة محترمة أضافت معروضاتها فارقا فريدا من نوعه. كان لا بد أن تصبح صديقة للإدارة والموظفين وكذلك النزلاء.
ولم يكن ذلك بالمهمة الشاقة بالنسبة إليها؛ فقد كانت تملك الغريزة الصحيحة التي تؤهلها لمزج اعتبارات الصداقة باعتبارات العمل؛ تلك الغريزة التي يملكها جميع الباعة البارعين. لم يكن عليها مطلقا أن تحسب مكسبها وتبني عليه بفتور وجمود. فكل شيء كانت تفعله بتلقائية، وكانت تشع بحماس حقيقي في قلبها حيث تكمن مصالحها. ها هي تلك السيدة التي طالما كانت تعاني في حياتها مع والدة زوجها وعائلته، التي كان جيراننا يرونها متعجرفة ومغرورة، وكان نساء البلدة بالكنيسة يظنونها حادة بعض الشيء، ها هي قد وجدت عالما من الغرباء شعرت كأنه عالمها في الحال. •••
لكل هذا، ومع تقدمي في العمر، كان يراودني شعور أقرب إلى الازدراء. كان بداخلي ازدراء للفكرة الكاملة لاستخدام المرء مهاراته بهذه الطريقة، وجعل نفسه معتمدا على استجابة الآخرين، واستخدام التملق والمداهنة بهذه البراعة والتلقائية لدرجة أنك حتى لا تدرك أنه تملق، وكل ذلك من أجل المال. كنت أرى مثل هذا السلوك مشينا، مثلما كانت تراه جدتي بالطبع، وسلمت بأن أبي كان لديه نفس الشعور على الرغم من أنه لم يظهره. كنت أومن - أو ظننت أنني أومن - بالعمل الحثيث والفخر، وعدم الاكتراث بكون المرء فقيرا، بل وامتلاك شعور بالازدراء تجاه هؤلاء الذين يعيشون حياة مترفة.
حينئذ أسفت لفقدان الثعالب، لا أعني النشاط التجاري، ولكن الحيوانات ذاتها بأذنابها الجميلة وعيونها الذهبية الغاضبة. ومع تقدمي في العمر، وازديادي تحفظا وعزلة عن أساليب الريف، وحتميات الريف، بدأت لأول مرة في تفنيد حبسها، والشعور بالأسف لقتلها، وتحويلها إلى أموال. (لم أصل أبدا إلى حد الشعور بأي شيء من هذا القبيل تجاه حيوانات المنك، التي كانت تبدو لي حقيرة وأشبه بالجرذان وتستحق مصيرها.) كنت أعرف أن هذا الشعور نوع من الرفاهية، وحين كنت أذكره لأبي، في السنوات اللاحقة، كنت أتحدث عنه بلا مبالاة، وبنفس الأسلوب كان يقول إنه يعتقد أن ثمة ديانة ما في الهند تقر بأن كل الحيوانات تدخل الجنة. كان يطلب مني أن أتخيل ماذا سيحدث إذا كان ذلك صحيحا؛ أي أعداد من الثعالب الهادرة سوف يلتقيها هناك، ناهيك عن جميع الحيوانات ذات الفراء الأخرى التي اصطادها، وحيوانات المنك، وكذلك الخيول الصاخبة التي كان يذبحها من أجل لحومها.
نامعلوم صفحہ