منظر من صخرة قلعہ

شیما طاہا ریدی d. 1450 AH
157

منظر من صخرة قلعہ

المنظر من صخرة القلعة

اصناف

تستغرق رحلة الثلاثين ميلا إلى البلدة التي يتم فيها آخر تغيير للحافلة نفس الوقت الذي تستغرقه رحلة الخمسين ميلا من المدينة أو أطول. وبحلول موعد وصولنا إلى تلك البلدة يكون العدد الكبير من ذوي الأصول الألمانية ذوي الحس الدعابي، والهولنديين الأحدث عهدا، قد نزلوا من الحافلة، وازداد ظلام المساء توغلا وبرودة، وكف المزارعون عن العمل ورعاية ماشيتهم. أسير عبر الطريق مع واحد أو اثنين من المتبقين من الحافلة الأولى، واثنين أو ثلاثة من الثانية؛ وهنا يبتسم أحدنا للآخر مع إدراكنا لوجود زمالة أو تشابه لم يكونا ليتضحا لنا في الأماكن التي بدأنا منها رحلتنا؛ فنصعد على متن الحافلة الصغيرة المنتظرة أمام إحدى محطات الوقود؛ إذ ليس ثمة محطة للحافلات هناك.

كانت هذه الحافلة حافلة مدارس قديمة ذات مقاعد غير مريحة تماما لا يمكن تعديلها بأي شكل من الأشكال، ونوافذ تقطعها إطارات معدنية أفقية؛ ما يجعل من الضروري أن تنحني أو تجلس في وضعية مستقيمة للغاية وتمد عنقك لكي تحظى برؤية لا يعوقها شيء. وهو ما أراه أمرا مؤرقا؛ لأن الريف هنا هو أكثر ما أود مشاهدته؛ أشجار الخريف المخضبة بالحمرة، والحقول الجافة المليئة ببقايا الحصاد، والأبقار المحتشدة في مداخل الحظائر. طالما كنت أعتقد أن مثل هذه المشاهد غير اللافتة، في هذا الجزء من القرية، هي آخر شيء سوف أعبأ بمشاهدته في حياتي.

ولدهشتي أن هذا الأمر قد يتضح أنه حقيقي، وبأسرع مما توقعت، مع قيادة السائق للحافلة بما يبدو أنها سرعة متهورة؛ حيث يقفز وينحرف على مدى العشرين ميلا المتبقية من الطريق شبه الممهد.

وهذا المكان يعد مرتعا خصبا للحوادث؛ فالصبية الذين لم يبلغوا بعد سن الحصول على رخصة قيادة يأتون للقيادة الحمقاء على سرعة 90 ميلا في الساعة على طرق مفروشة بالحصى تضم تلالا أو منحدرات غير واضحة للعيان. ويملأ السائقون المحتفلون الجو ضجيجا بنفير سياراتهم عبر القرى في وقت متأخر من الليل دون إضاءة مصابيح سياراتهم، ويبدو أن معظم الرجال البالغين قد نجوا على الأقل مرة واحدة من الاصطدام بعمود هاتف محطم والانقلاب في المصرف. •••

قد يخبرني أبي وزوجته عن هذه الخسائر في الأرواح حين أعود إلى المنزل. فأبي يتحدث ببساطة عن حادث بشع، فيما تتولى زوجته سرد التفاصيل، من انفصال الرأس عن الجسد، وتهشم الصدر من اصطدامه بعجلة القيادة، وتحطم الوجه بسبب الزجاجة التي كان أحدهم يشرب منها.

فيكون ردي المقتضب: «حمقى.» ليس الأمر فقط أنني لا أملك ذرة تعاطف نحو المتسابقين على الطرق الحصوية، والثملة؛ فأنا أرى هذه المحادثة، بما تلاها من إفاضة واستمتاع من جانب زوجة أبي، قد تكون مصدر إحراج لأبي. غير أنني سأتفهم لاحقا أن الأمر ربما لا يكون كذلك .

ترد زوجة أبي قائلة: «هذا أبسط وصف لهم. حمقى. يجب ألا يلوموا إلا أنفسهم.»

أجلس مع أبي وزوجة أبي - واسمها إرلما - إلى طاولة المطبخ نحتسي الويسكي، فيما يرقد كلبهما باستر عند قدمي إرلما. يصب أبي شراب الجاودار في ثلاث كئوس عصير حتى تمتلئ إلى ثلاثة أرباعها، ثم يكملها بالماء. حين كانت أمي على قيد الحياة، لم تكن ثمة زجاجة شراب واحدة في هذا المنزل، أو حتى زجاجة من الخمر أو الجعة؛ فقد أخذت على أبي عهدا قبل زواجهما ألا يقرب الخمر مطلقا. لم يكن هذا بسبب معاناتها من الرجال السكيرين في منزلها؛ لقد كان ذلك فقط العهد الذي كانت تشترطه العديد من النساء اللاتي يحترمن أنفسهن قبل أن يهبن أنفسهن لرجل في تلك الأيام.

كانت طاولة المطبخ الخشبية التي كنا دائما نأكل عليها، والمقاعد التي كنا نجلس عليها، قد نقلت إلى الحظيرة، فلم تكن المقاعد ملائمة؛ إذ كانت غاية في القدم، وكان اثنان منها يفترض أنهما قد جاءا مما كان يسمى مصنع الكراسي - ربما كان مجرد ورشة لا أكثر - في صن شاين، وهي قرية اختفت من الوجود بنهاية القرن التاسع عشر. وعلى ذلك فإن لدى أبي استعدادا تاما لبيعها بلا مقابل، أو التبرع بها إذا كان أحد يريدها؛ فهو لا يستطيع قط أن يتفهم أي إعجاب لما يسميه الخردة القديمة، ويعتقد أن المشتغلين فيها ما هم إلا مدعون. كان هو وإرلما قد اشتريا طاولة جديدة ذات سطح بلاستيكي يبدو أشبه بالخشب ولا تعلق به أي علامات أو آثار للأشياء، وأربعة مقاعد بوسائد مغطاة بالبلاستيك بها نقوش من أزهار صفراء، والحق أنها مريحة في الجلوس أكثر بكثير من المقاعد الخشبية القديمة.

أما وقد أصبحت الآن أعيش على بعد مائة ميل فقط، صرت أعود إلى المنزل كل شهرين أو نحو ذلك. قبل ذلك، ولفترة طويلة، كنت أعيش على بعد أكثر من ألف ميل وتمر سنوات دون رؤية هذا المنزل. كانت فكرتي عنه آنذاك كمكان ربما لن أراه مرة أخرى أبدا، وكانت ذكراه تحرك مشاعري كثيرا. كنت أجوب غرفه في ذهني، التي كانت كلها صغيرة وكما هو مألوف في المنازل الريفية القديمة ليست مصممة للاستفادة من المساحة الخارجية، بل لتجاهلها إن أمكن. ربما لم يرد الناس أن يهدروا وقت راحتهم أو مأواهم في النظر إلى الحقول التي يجب أن يعملوا بها، أو إلى أكوام الجليد التي يتعين عليهم إماطتها من الطريق من أجل إطعام ماشيتهم. أما الأشخاص المغرمون بالطبيعة - أو حتى هؤلاء الذين يتمادون ويستخدمون كلمة «طبيعة» - فكانوا يعتبرون مجانين بعض الشيء.

نامعلوم صفحہ