postulare ) فالرياضي يقول «سلموا لي بنقطة البداية هذه، وسوف يضطر ذهنكم طوال الاستدلال إلى قبول ما أستنبطه منها.» ويبدو، كما نبه إلى ذلك العالم الرياضي فردينان جونست
Ferdinand Gonseth
أن في ذلك مظهرا من مظاهر العجز بالنسبة إلى الفكر الدقيق. فإذا كنا نستطيع البرهنة على شيء، فلن نقول أبدا إنه من الواجب علينا التسليم به. فضرورة القبول تعادل استحالة البرهنة.
1
فلنقر إذن بأن المصادرات المختلفة تقدم في العلوم الرياضية بوصفها فروضا. ومع ذلك ينبغي ألا تشبه هذه الفروض بفروض العلوم الطبيعية التي تخضع دائما للتحقيق «التجريبي». فالفروض الرياضية هي الأساس الذي يبدأ من بعده التفكير الرياضي في القيام بمهمة الاستنباط. وإذن يجب علينا القول بأن العلوم الرياضية فرضية استنباطية
hypothético déductives . وسوف نرى فيما بعد أن العلوم الرياضية إذا كانت فرضية استنباطية فليس ذلك دليلا على نقصان في قيمتها؛ بل هو بعكس ذلك الشروط الأساسية لاتساقها ولتنوعها الخصب. (4) النظرة الحديثة إلى فكرة «البديهية»
ولكن يجب علينا الآن أن نلح في بيان مسألة فلسفية خاصة جدا تقوم الرياضة على أساسها. فقد رأينا من قبل أن بين البديهية والمصادرة اختلافا كبيرا في «الطبيعة». ولكن عندما يشرع الرياضي في استخدام هذه المبادئ في البرهنة على مختلف النظريات، متبعا قواعد الاستنباط، فإنه لا يشير إلى هذا التمييز بين طبيعتي المصادرات والبديهيات. فالمصادرة، وإن كانت تفرض على ذهننا بوضوح مطلق، فإنها تؤدي دور «نقطة البداية المطلقة» بمثل اليقين الذي تؤديه به البديهية. ويبلغ الأمر في ذلك حدا يجعل من الممكن البدء، في نظريات معينة، بمصادرات تصدم الحدس الساذج لأول وهلة. وسوف نورد في هذا الفصل مثلا لمصادرة كهذه، تصدم الحدس. ولكن، متى سلمنا بالمصادرة يجب اتخاذها أساسا مؤكدا: أي أننا نستخدمها تماما كما لو كانت قضية بديهية في ذاتها. وبالاختصار، فالبديهيات والمصادرات تؤدي نفس الدور بعينه، وعلى أساس هذا الدور تبني نظرية للبديهيات والمصادرات.
وما دامت المصادرات والبديهيات تؤدي نفس الدور، فلم نتمسك إذن بتفرقة لا تأثير لها البتة في تركيب النظريات الرياضية؟ إن التفكير الرياضي الحديث يرى أن نقطة البدء تكون مشروعة إذا كانت تتيح لنا تشييد علم متسق منتج، لا إذا كانت تنطوي في ذاتها على بداهة مطلقة. وإذن فلماذا نحتفظ بكلمتين لكي نشير بهما إلى قضايا تؤدي عملها بطريقة واحدة؟ الواقع أن اسم «البديهية» هو الذي يستخدم عادة، حتى لو كنا إزاء إحدى المصادرات تبعا للنظرة القديمة. وكما لاحظ بوليجان
Bauligand
فاستخدام لفظ البديهية يتجه إلى أن يفرض نفسه، وذلك عن طريق مجموعة من الألفاظ المشتقة منه، مثل نسق البديهيات
نامعلوم صفحہ