وتسمى المجموعات المتعاقبة باسم الأعداد «المثلثة» إذ إن المقدار ن (ن + 1)/2 يمثل مساحة المثلث.
العدد يركب في الإدراك الحسي ذاته، بواسطة النشاط الفعال للذهن
قلنا إن الحساب قد بدأ بتأمل السماء ذات النجوم. لكن هذا لا يعني أن فكرة العدد تأتي من الملاحظة. فلنعرف أن التجربة تبدو في هذه الحالة مواتية تماما لتمييز الوحدات؛ إذ إن الوحدة في هذه الحالة نقطة تنفصل تماما على صفحة السماء، بحيث لا يكون أمامنا إلا أن نراها كلها متشابهة، متجانسة (فيما عدا الفروق في اللمعان) وغير قابلة للقسمة مطلقا، ولكن لم يكن بد من وجود شروط أخرى لكي تظهر فكرة العدد؛ فيجب أولا أن تطبق هذه الفكرة على كل المجموعات، أي أن يكون العدد 7 ليس خاصا فقط بعدد نجوم «الدب الكبير» بل بعدد أيام الأسبوع أيضا، وبعجائب الدنيا، وحكماء اليونان ... إلخ. وينبغي أن ينطبق العدد نفسه على كل المجموعات التي يمكن إحصاء نفس مجموعة الوحدات فيها: مثل الكرات (في عدد البلي) والتفاح (في سلة تفاح). على أنه عندما لا يكون الأمر متعلقا بنجوم، فإن الوحدة لا تبدو في ظروف تجريبية مواتية كهذه؛ فالوحدات ليست غير منقسمة، ولا هي متجانسة. وفضلا عن ذلك، فكيف يتم التمييز بين عددين مختلفين؟ إن الملاحظة لا تطلعنا إلا على انطباع غامض عن الاختلاف بين مجموعتين. هذا إلى أن ذلك الانطباع يختفي إذا كان الفارق العددي أقل من حد أدنى معين، فمثلا، ليس ثمة فارق، بالنسبة إلى البصر، بين مجموعة مكونة من 100 نجم، ومجموعة أخرى من 101 نجم. أما من الوجهة العددية فهذا الفارق يساوي ذلك الذي يتمثل بين نجم مزدوج ونجم بسيط.
فلنقل إذن إنه لا وجود للعدد إلا إذا عد المرء أو أحصى، وهذه الفكرة نتيجة مباشرة لتحليلاتنا السابقة، وهي تناظر تماما الفكرة التي عرضناها بصدد المكان. فقد شرحنا المكان عن طريق نشاط فعال للعقل، يعبر المجال الإدراكي ويرسم. وكذلك نشرح العدد بالعد، أي فعل الإحصاء.
وهكذا تظل فكرتنا على المذهب العقلي أو الأولي على ما هي عليه، فنحن نرى أنه ها هنا أيضا على صواب في مخالفته للمذهب التجريبي، ولكن بالشروط نفسها؛ فليس هناك عالم عقلي للأعداد، وإنما توجد عملية عقلية للعد بطريقة سابقة على التجربة. وبهذا المعنى تكون النظرية الفيثاغورية عن العقول أو الأعداد المثالية، ونظرية مالبرانش عن الأعداد العادة “nombres nombrants”
14
صحيحتين.
العد، عملية مادية وعقلية في آن واحد
وهذا يؤدي بنا إلى عملية العد. لنلاحظ أن لهذه العملية مظهرين؛ فهي مادية من جهة؛ إذ إنها فعل عملي ينصب على أشياء مادية، كالبلي في صندوق «البلي»، غير أن هذه العملية تصحبها عملية عقلية هي تفسير لها، فالكل يكون نوعا من الإدراك الحسي الإيجابي، مشابها تماما لإدراك المكان حسيا.
ولقد أطلق على أبسط صورة لهذه العمليات اسم «مبادلة واحد بواحد
نامعلوم صفحہ