المكان هو أولا مقياس الزمن ورمزه، فالواقع أن الزمان عابر بحسب جوهره. وأجزاؤه يقتفي بعضها أثر بعض على الدوام، وليست هناك وسيلة أخرى لتصوره ودراسته إلا بالرمز له بخط يسير فيه جسم متحرك؛ بل سنرى فيما بعد أن العلم المعاصر يجعل الزمان البعد الرابع للمكان، فليس ثمة وسيلة لقياسه إلا بالمكان، عن طريق الحركة.
مقياس الزمن يرد إلى مقياس المكان
فلنتريث لحظة عند مقياس الزمن، وهو مشكلة رياضية ترجع إلى عدة ألوف من السنين؛ فمن المحال تثبيت وحدة زمنية، لنجعل منها أساسا للقياس يمكن الاحتفاظ به؛ بل يجب أن يصبح الزمان مكانا، ويقاس على هذه الصورة، وهذا لا يتأتى إلا إذا تحول الزمان إلى حركة. غير أن الحركة التي ترمز إلى زمن هي حركة مطردة. فأين نجدها، إذا كنا لا نتعلم كيف نقيس الزمن، وكيف أن الأمكنة المتساوية تقطع في أزمنة متساوية؟ تنطوي هذه المشكلة على نوع من الدور، لم تخرج منه البشرية إلا بصعوبة كبيرة؛ فلقياس الزمن، تختار حركات يحق لنا افتراض اطرادها، أو اطراد تعاقبها في فترات منتظمة، ويقوم هذا الافتراض المشروع على سببين، أولهما سبب سلبي. فلنا أن نعد الحركة التي لا يطرأ عليها ما يسبب تغيرها حركة دورية باطراد، ومن قبيل ذلك، الحركات الفلكية، التي لا يؤدي الاحتكاك إلى إبطائها، والتي تعود فضلا عن ذلك على أعقابها، أي تظل مرتبطة بعلتها دائما، والسبب الآخر إيجابي، وهو ينحصر في أن العلة المنتجة للحركة تؤثر دوريا، وعلى نمط واحد؛ فالجسم الذي يسقط مثلا، يصلح أن يكون في سقوطه مقياسا لوحدة الزمن، إذا نجحنا في جعله يسقط ثانية، بعد سقوطه الأول مباشرة، في نفس الظروف، ومن نفس الارتفاع، أو إذا ما سقط جسم آخر مماثل له من كل الوجوه بعد سقوطه مباشرة، وبنفس الطريقة. وذلك هو وصف أدوات قياس الزمن، المبنية على الثقل، كالساعة الرملية أو المائية، التي تفي بالشرط الثاني، والبندول الذي يفي بالشرط الأول. ولقد كانت الساعات الرملية والمائية هي أقدم الساعات التي يمكن حملها، والفكرة التي تبنى عليها مفهومة. وأخيرا فإن الوسائل المختلفة للقياس تحقق كل منها الأخرى؛ فالساعة الرملية تحقق صدق الساعة التي تكونها حركات النجوم؛ بل تمكننا من الاختيار بين هذه الحركات، التي لا تتصف جميعها بالانتظام. أما البندول، فاستخدامه أحدث بكثير من الساعة الرملية، وإنا لنعلم أن جاليليو قد اكتشف تساوي هزات البندول الضعيفة التي تبطئ شيئا فشيئا في الزمن. أما الهزات «المستمرة» فمن الواضح أن تعريفها يدل على أنها متساوية في الزمن، ما دام البندول المعلق هو ثقل يظل دائما متساويا، ويعود دائما إلى السقوط من نفس الارتفاع.
ولقد اكتشف «جاليليو» تساوي زمن هذه الهزات الأولى عن طريق مقارنتها بضربات الساعة النابضة (ساعة قديمة، غير دقيقة)، ثم حققها فيما بعد، بمقارنتها بالحركات الفلكية. وقد أفلح بعد ذلك في الربط بين البندول وسقوط الثقل، وفي الوقت ذاته، نجح في الربط بين ذبذبات البندول في الساعة ذات البندول وذات الثقل. وقوام هذه الآلة العجيبة، ينحصر في الربط بين ثقل يسقط بضربات صغيرة منتظمة وبين بندول ذي هزات متصلة، ويرتبط الثقل والبندول بطريقة تجعل كلا منها يتجنب الآخر، بحيث أن ضربات البندول تثير السقطات المتعاقبة للثقل، ثم توقفها، بانتظام، وبحيث أن سقوط الثقل، هو الآخر، يبقي على ضربات البندول. وتؤدي حركة الثقل إلى إدارة جهاز من المؤشرات، له وجه دائري، يمثل مجرى الزمان ذاته.
وعلى هذا النحو حلت البشرية مشكلة قياس الزمن.
قياس الحركة يرجع هو الآخر إلى قياس المكان
أما الحركة فتقاس بمقياس الزمن، وبمقياس مسارها، وبهذا يمكن الوصول إلى تحديد سرعتها، التي هي الجزء الذي قطع من مجال الحركة خلال وحدة زمنية، وتمثل هذه السرعة بموجة السرعة، وهو جزء من مستقيم يمثل الاتجاه مباشرة، ويمثل القيمة المطلقة للسرعة بطريقة رمزية.
ولقد أثار تصوير القوة بدوره مشاكل متعددة، حلتها البشرية بالتدريج. فالقوة هي أولا الجهد الذي يبذل للتغلب على الثقل، بطريق مباشر أو غير مباشر، وهذه القوة أصبحت تقاس بالميزان، ثم حلت محل فكرة الوزن فكرة الضغط، التي لا تخضع لنفس القوانين، كما تدل على ذلك مثلا مفارقة توازن السوائل
Le paradoxe hydrostatique
وأخيرا عرف نيوتن القوة، في أعم معانيها، بأنها دالة مرتبطة بمعدل السرعة.
نامعلوم صفحہ