فلو عارضت هذه الفرقة القليلة القرآن، لوجب أن يظهر آخرا، على الأيام، إن لم يظهر أولا، على أن العادة لم تجر، بأن يتمكن العاقل من فضل باهر، يساوي به من تقدم كل التقدم، ويجب كتمانه لبعض الأغراض، وأن أوجب ذلك في وقت لتقية وخوف، فلا بد من أن يجب نشره من بعد، فلا يجوز فيما حل هذا المحل، أن لا يظهر في الواحد، فكيف في الجماعة «1»
ويقول القاضى: «فلو قال معارض أليس القرآن نزل بلغة العرب، فلا بد من أن يكون في قدرة فصاحته عن العادة، قيل له: ليس المراد بأنه نزل بلغتهم، إلا أن الكلمات التي يشتمل القرآن عليها في لغتهم، قد تواضعوا عليها، فأما على النظام المخصوص فليس في اللغة، كما أن شعر من ابتدأ الشعر ليس في اللغة، على ذلك الحد، وإن لم يخرج عن أن يكون منطوقا، من لغة العرب، ولو جاز بمثل هذا الوجه اخراجه عن العادة، لوجب أن لا يكون للشاعر المتقدم فضله على المفحم وغيره، ولهذه العلة، ولا لمن ينسج الديباج فضله على غيره، لأن المنسوج يؤلف من الغزول المختلفة الألوان، وهذا في غاية الركاكة.
فان رد المعترض قائلا: أليس «اقليدس»، وصاحب كتاب «المجسطي»، وصاحب «العروض»، و«سيبويه» وغيرهم، قد اختصوا فيما ظهر عنهم من العلوم، بما بانوا به من غيرهم، ولم يدل ذلك على نبوتهم، ولا صلح منهم التحدي لذلك!.
فهلا وجب مثله في القرآن، وإن اختص بالمزية، لأن مزيته ليس بأكثر من مزية ما ظهر، من كتب ما ذكرناه «2».
قلنا للمعترض: إن «أبا هاشم » أجاب عن ذلك، بان هذه المسألة توجب أن هذه الأمور معجزة، لا أنها تقدح في اعجاز القرآن، لأنا قد بينا وجه كونه دلالة ومعجزا، فان كان الذي أو ردوه بمنزلته، فيجب أن يكون معجزا، وهذه الطريقة واجبة في كل دلالة.
صفحہ 124