وكتب السويداوي: إن المصنف ابتدأ في تصنيفها في منصف شعبان سن ثمان وسبعمائة، ودعا له بقوله: عافاه الله، وأحسن عقباه. وسبب ذلك أنه كان أصيف بالفالج من قبيل سنين، ويحتمل أن يكون تصنيفا آخر، وهو بعيد. لكن يُستأنس له بما وجدته في كلام الذهبي مُدرجا في كلام ابن العطار، ما لم اقف عليه في النسختين، على أن ابن العطار قال ما نصه: ورأيت منه أمورًا تحتمل مجلدات. وذكر ما يرغب في مناقب العلماء، قول سفيان بن عُيينة: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. وقول محمد بن يونس: ما رأين للقلب أنفع من ذكر الصالحين. وأنه دوّنها لتكون سببا للترحم عليه والدعاء له، لما له عليه من الحقوق المتكاثرة التي لا يطيق حصرها، ووصفه بشيخي وقدوتي، الإمام للتصانيف المفيدة، والمؤلفات الحميدة، أو حد دهره، وفريد عصره، الصوام القوام، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، صاحب الأخلاق المرضية، والمحاسن السَّنية، العالم الرباني، المتفق على علمه وأمانته وجلالته، وزهده وروعه وعبادته، وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته، له الكرامات الطافحة، والمكرمات الواضحة، والمؤثر بنفسه وماله للمسلمين، والقائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين، مع ما هو عليه في المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الثقل، والاجتهاد عن الخروج مع خلاف العلماء ولو كان بعيدًا، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.
وكان محققا في علمه وفنونه مدققًا في علمه وكل شؤونه، حافظًا لحديث رسول الله ﷺ، عارفًا بأنواعه كلها من صحيحه وسقيمه، وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه، حافظًا لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من جميع ذلك وما هُجر، سالكًا في كل ما ذكر طريق السلف، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة والذكر لله تعالى، وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكذا أفردها التقي محمد بن الحسن اللخمي في أربع أوراق، وقال: إنه كان عالما بالفقه وفروعه من أقوال الشافعي وأوجه أصحابه، مكث نحو عشرين سنة يفتي ويعلم الناس العلم والفقه والحديث والأدب والزهد، وكان ليس في عصره في بلاد المسلمين مثله، محققًا، حافظًا متقنًا، ورعًا، مدققًاَ في الحديث عالمًا بصحيحه وحسنه، وسقيمه. وغريبه وأحكامه، عارفا بلغته وأسماء رجاله، وضبطهم وجرحهم وتعديلهم، ومواليدهم ووفياتهم، محققًا في الألفاظ المشكلة.
له في فنونه يد طولى، كثير النقل جدًا، مداومًا للمطالعة والتأليف، عارفًا بفن التصريف، وفن العربية واللغة، كثير النقل فيهما. عارفا بالأصلين معرفة جيدة، وبالقراءات السبع وغيرها، كثير الخبرة بمذاهب العلماء، المشهورة والمهجورة، ليّن القلب، سالكا طريق السلف في الزهد في الدنيا، والمبالغة في الخشوع والورع، غزير الدمعة كثير الصمت، حافظا لسانه أشد الحفظ، غاضا للطرف، طويل الفكرة، حسن الأخلاق جدًا، إذا آذاه أحد يقول له: يا مبارك الحال. مثابرا على الصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشد المواطن وأصعبها، محاسبًا لنفسه، حافظًا لأوقاته، قد جزّأ كل وقت منها لنوع من العمل، فغالبها للاشتغال بالعلم، وبعضها للتعليم والعبادة، كالصلاة بالليل والتسبيح والقراءة والتدبر.
أثنى عليه الأئمة الصلحاء، العلماء العارفون، وتأسف المسلمون عليه بعد مماته أسفًا بليغا، وجزعوا عليه جزعًا شديدًا الخاص منهم والعام، والمادح في حال حياته والذام.
وأفردها أيضًا مريده اللامة الرباني كمال الدين، إمام الكاملية وشيخها، في جزء سماه: " بغية الراوي في ترجمة النواوي "، وقرأها " على ما بلَّغني به العلاَّمة أبو الفضل النُّويري خطيب مكّة شرَّفها الله تعالى " عند ضريح الشيخ، نفعنا الله ببركاتهم، وكذا أرسل إليّ صاحبنا الشيخ الثقة الورع الحجة برهان الدين إبراهيم القادري، نفعنا الله ببركته، غير أن تصنيفي هذا قُرئ عند ضريح الشيخ أيضًا، جوزي خيرًا.
1 / 40