ورأيت أيضًا في أسانيد المجد اللغوي صاحب القاموس: أنه قرأ " الأربعين " للشيخ، على محيي الدين أبي زكريا يحيى بن أبي الحسن علي بن طاهر بن بركات، الدمشقي، عُرف بابن الحداد، بمنزله على مقربة من جامع دمشق، بسماعه لها بقراءة والده، على مؤلفها، لكن قال شيخنا في " درره " في يحيى المذكور بعد أن نسبه بأنه يحيى بن علي بن أبي الحسن علي بن أبي الفرج محمد بن طاهر بن محمد بن الحداد، الصالحي، الحنفي، ما نصه: إنه كان يذكر أن والده أحضره إلى النووي وهو أمرد فاعتذر إليه وقال: أنا أرى أن النظر إلى الأمرد حرام، فاذهب به إلى الشيخ تاج الدين، ثم عقبه شيخنا بقوله: قال شيخنا العراقي: لم نقف على كلامه، انتهى كلامه.
على أن الحافظ شمس الدين الحسني قال في " وفياته " التي ذيل بها على " العِبَر ": إن المعمر الفاضل محيي الدين بن الحداد المذكور كان خاتمة أصحاب النووي، وأنه مات سنة سبع وخمسين وسبعمائة.
وروى الولي العراقي عن الشرف محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الجذامي، السكندري، أخي التاج ابن عطاء الله الشهير، وأبي عبد الله محمد بن عبد الكريم بن أبي عبد الله المخيلي، كلاهما ممن " أجازه " النووي إجازة عامة، ولست تبعًا لشيخي أحب العمل بها، وفيما تحملناه " ولله الحمد " غنية عن التوسع بها.
وحكى لي العلامة الفقيه الشرف أبو زكريا المناوي " ﵀ " عن الولي أبي زرعة العراقي أيضًا مذاكرة، أنه بلغه أن الجان كانت تقرأ عليه، وأن بعض طلبته بينما هو عنده في خلوته إذ دخل عليه ثعبان، ففزع الطالب، فأخذ الشيخ في تسكين روعه، وعرّفه بأنه من طلبة العلم من الجان وأنه قال له أما نهيتك عن التزيي بهذا وأنه آخى بينهما وعندما أراد " الجنِّي التوجه لمحله ببغداد أو العراق " الشك مني " سأل الطالب الشيخ الإذن له في التوجه معه للتفرج ببلاده، وأن الشيخ أذن له في ذلك ووصاه به، وأنه تزيّا في صورة بعير، وأمر الإنسي أن يركبه وقال له: إذا أحسست بالبرد الشديد فاغمزني، وأنه علا به في الجو حتى أحس بالبرد، فغمزه فهبط لذلك المكان المقصود، وأنه أقام عندهم يسيرًا، ثم رجعا مستصحبين معهما ما كان الشيخ أوصاهما به من فاكهة ذلك المكان.
وهذه الحكاية منقطعة، ولا استبعاد لصحتها، ففي ترجمة القاضي الخِلَعي أن الجان كانت تقرأ عليه، وكذا ذُكر عن الفخر إمام الجامع الأزهر، وغيره، ممن الشيخ أعظم حالًا ومقامًا ومقالًا منهم، رحمة الله عليهم أجمعين.
وكذا اشتهر أن الخضر كان يجتمع به، وقد قال الشيخ في ترجمته من " تهذيبه ": والأكثرون من العلماء قالوا: هو حيّ موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه: هو حيّ عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم في ذلك، قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين، انتهى ما في " التهذيب ".
قال شيخنا: والذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته، لكن ربما عرضت شبهة من جهة كثرة الناقلين للأخبار الدالة على استمراره، فيقال: هب ن أسانيدها واهية، إذ كل طريق منها لا تسلم عن سب يقتضي تضعيفًا، فماذا يُصنع في المجموع؟ فإنه على هذه الصورة قد يلحق بالتواتر المعنوي الذي مثلوا له بجود حاتم، مع احتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقاءه، كآية: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد)، وكحديث: " رأس مائة سنة "، وغير ذلك مما تقدم بيانه " يعني في كلامه ".
وأقوى الأدلة على عدم بقاءه عدم مجيئه إلى رسول الله ﷺ، وانفراده بالتعمير، من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي، انتهى.
صفاته ومناقبه
1 / 25