كونه كذلك.
ثم إنه لو اقتضى العلم بالأصلح انعدام ذلك الصادر الأول في وقت بعد وقت وجوده وبقائه ، والحال أن تعلق الجعل بالعدم بما هو عدم مما لا معنى له لم يكن ذلك إلا لاقتضائه حينئذ وجود ما وجوده أصلح في الواقع وأشرف وأكمل من وجود الصادر الأول مطلقا بعد ما كان وجود ذلك الموجود الحادث أنقص منه مطلقا ، وما يكون وجوده منافيا لوجوده ، مستتبعا لرفعه بالعرض حتى يرتفع بوجوده وجوده ، فلم يكن وجود الصادر الأول أصلح وأشرف وأكمل من وجود غيره مطلقا ؛ هذا خلف.
لا يقال : إن ما ادعيت من أن الصادر الأول أشرف وأكمل من كل ما سواه من الممكنات ، ينافي ما ورد من النصوص الدالة على أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله أشرف الممكنات وأكملها ، مع أنه ليس بالصادر الأول ، بل هو خاتم الأنبياء عليهم السلام . وإن اولت ذلك بأن المراد أن روحه الشريفة ونفسه المقدسة أشرف من الكل وأكمل ، وهي الصادرة عن البارئ تعالى على ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله : «أول ما خلق الله نوري» ، (1) وإن كان بدنه الشريف صادرا عنه تعالى أخيرا ، وادعيت أنه يدل عليه أيضا حديث : «خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام». (2) وكذا حديث : «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» ، (3) فهذا ينافي ما سيجيء بيانه من أن النفس الإنسانية حادثة بحدوث البدن.
لأنا نقول : لا منافاة ، لأنه يمكن التأويل بأن روح القدس الذي ورد في الأحاديث أنه أيده صلى الله عليه وآله ... (4) لأنه أشرف من الكل وأشرفيته أيضا يرجع إلى أشرفيته صلى الله عليه وآله لكونه مؤيدا خادما له ، وهذا أيضا في مرتبة البدوي وأما في مرتبة العودي ، فهو صلى الله عليه وآله أشرف من روح القدس أيضا لاكتسابه معارف وكمالات ، ليست هي لروح القدس ، سواء سمي روح القدس بالروح أو بالعقل أو بالنور المحمدي صلى الله عليه وآله ... (5).
وأيضا لو لم يكن ذلك الأمر الحادث الآخر ضدا للصادر الأول ، لم يكن وجوده منافيا لوجوده ، فينبغي أن يكون ضدا له ، حتى يكون وجوده مستلزما لانعدامه ، وهذا لا يتصور هنا ، لكون المفروض أن الصادر الأول موجود أصيل عيني ، لا موجود بالعرض ،
صفحہ 111