أَدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ" (^١)؟!، سمَّاها دعوى الجاهلية، حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان، لم يصدر ذلك من الجماعة، فأمرَ بمنع الظالم وإعانة المظلوم، ليبيِّن أن المحذور إنما هو تعصُّب الرجل لطائفته مطلقًا، فِعْلَ أهلِ الجاهلية، فأما نصرها بالحق؛ فحسنٌ إذا كان من غير عدوان.
ولهذا قال: "خَيْرُكم المدافعُ عن عَشِيْرَتِه ما لم يأْثَم" رواه أبو داود (^٢) .
وقال: "أربعٌ في أُمَّتي مِنْ أَمْر الجاهليةِ لا يتركونهنَّ: الفخرُ بالأحسابِ، والطَّعْن في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنُّجومِ، والنياحةُ" (^٣)، فاقتضى أنَّ كلَّ ما كان من أمر الجاهلية مذموم في الإسلام، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذمٌّ لها، ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرجَ مخرج الذمِّ.
وكذا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الأحزاب: ٣٣] و﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: ٢٦]، فدلَّ ذلك على أن إضافةَ الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمَّه والنهيَ عنه، وذلك يقتضي المنعَ من أمر الجاهلية مطلقًا، وهو المقصود في هذا الكتاب.
ومنه قوله: "إنَّ الله قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ (^٤) الجاهِلِيَّة وفَخْرَها
_________
(^١) أخرجه البخاري رقم (٣٥١٨)، ومسلم رقم (٢٥٨٤) من حديث جابر بن عبد الله ﵁.
(^٢) رقم (٥١٢٠) وضعَّفه بأيوب بن سويد، وحكم عليه أبو حاتم الرازي بالوضع في "العلل": (٢/ ٢٠٩).
(^٣) أخرجه مسلم رقم (٩٣٥) من حديث أبي مالك الأشعري ﵁.
(^٤) هي: الفخر والنخوة.
1 / 44