الاعتبار بمن قبلهم فقال: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ (^١)﴾ [التوبة: ٧٠].
فذَمَّ من استمتعَ وشابه القرون الماضية، وكان من الخائضين، وهم اليهود والنصارى وغيرهم ممن تقدم، ومع ذلك فقد أخبر رسول الله ﷺ أنه لا بد أن تأخذ أمته مأخذَ الأمم قبلَها ذراعًا بذراع وشبرًا بشبرٍ (^٢)، وقوله بعد ذلك: ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ دليلٌ على جهاد هؤلاء الخائضين المستمتعين.
ثم هذا الذي دلَّ عليه الكتاب، من مشابهة بعض الأمة للقرون الماضية في الدنيا وفي الدين، وذم من يفعل ذلك؛ قد دلَّت عليه سنةُ رسول الله ﷺ، وفسَّر أصحابُه الآيةَ بذلك.
فعن أبي هريرة عنه ﷺ قال: "لتَأْخُذُنَّ كما أَخَذَتِ الأُمَمُ من قَبْلِكُم ذِراعًا بذراعٍ، وشِبْرًا بِشِبْرٍ، وباعًا بِباعٍ، حتَّى لو أنَّ أحَدًا مِنْ أُولئك دَخَل جُحْر الضَّبِّ لَدَخَلْتُمُوه" قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً﴾ الآية [التوبة: ٦٩]، قالوا: يا رسولَ الله كما صنعت فارسُ والرومُ وأهلُ الكتاب؟ قال: "فَمَن الناسُ إلا هم" (^٣)؟!.
وعن ابن عباس أنه قال: "ما أشبه الليلةَ بالبارحة، هؤلاء بنو
_________
(^١) "أصحاب مدين" سقطت من الأصل.
(^٢) انظر ما تقدم ص/ ٢١.
(^٣) أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير في "التفسير": (٦/ ٤١٢)، وأصله في الصحيح.
1 / 32