﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧)﴾ [الرعد: ٣٦ - ٣٧] والضمير (^١) -والله أعلم- يعود إلى من (^٢) تقدم ذكره، وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضَه، فدخل كلُّ من أنكر شيئًا من القرآن؛ من يهوديٍّ ونصرانيٍّ وغيرهما.
ومن ذلك قوله: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ...﴾ الآية [البقرة: ١٢٠].
فقال في الخبر: ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وفي النهي: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾؛ لأن القومَ لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقًا. والزجرُ قد وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومتابعتُهم في بعض ما هم عليه، نوعُ متابعةٍ لهم فيما يهوونَه أو مَظِنَّة له.
وكذا قوله: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٥ - ١٥٠].
قال غير واحدٍ (^٣): لئلا يحتج اليهودُ عليكم بأنكم وافقتموهم في القبلة، فيوشك أن يوافقونا في الملة، فقطع الله هذه الحجة بأن قال: خالفوهم في القِبْلة.
_________
(^١) يعني في "أهوائهم".
(^٢) "الاقتضاء": "ما".
(^٣) أي: من السلف، انظر تفسير ابن جرير: (٢/ ٣٤ - ٣٦)، وابن كثير: (١/ ٢٠١).
1 / 30