إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: ١٠٩]، فذمَّ اليهودَ على ما حسدوا به المؤمنين على الهدى والعلم.
وقد يُبْتَلى بعض المُتَلَبِّسِين (^١) بالعلم وغيرهم بنوعٍ من الحسد لمن هداه الله بنوع علمٍ أو عملٍ صالح، وهو خُلُق مذمومٌ مطلقًا، وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٦ - ٣٧]، فوصفهم بالبخل بالعلم وبالمال، وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلمِ هو المقصود الأكبر.
وكذا وصَفَهم بكتمان العلم في غير آيةٍ، مثل قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ [البقرة: ١٥٩]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٧٤].
فوصَفَ المغضوبَ عليهم بأنهم يكتمون العلم؛ تارةً بخلًا به، وتارةً اعتياضًا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفًا (^٢) أن يحتج عليهم بما أظهروه منه.
وهذا قد ابتُلِي به طوائف من المنتسبين إلى العلم، فإنهم تارةً يكتمون العلمَ بُخلًا به، وكراهية أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارةً اعتياضًا برئاسة أو مال، فيخاف إن أظهره نَقْصَ رياسته أو ماله، وتارةً يكون قد خالف غيره في مسألةٍ، أو اعتزى إلى طائفةٍ قد خُوْلفت
_________
(^١) "الاقتضاء": "المنتسبين".
(^٢) في "الأصل": "خوف".
1 / 23